أنواع الحقوق السياسية وخصائصها بقلم / م.م. أحمد صادق المندلاوي كلية التربية الأساسية/ قسم اللغة العربية
أنواع الحقوق السياسية وخصائصها
بقلم / م.م. أحمد صادق المندلاوي
كلية التربية الأساسية/ قسم اللغة العربية
إن النشاط السياسي أو ممارسة الحقوق السياسية لم تكن في يوم ما خاضعة للنذوات الشخصية والهوى، إنما تخضع للقانون، وفي هذا السياق فإن القانون لا يعتبر قانوناً إلا إذا كان تعبيراً صادقاً عن الإرادة العامة ومنسجماً مع الدستور باعتباره تجسيداً حياً لإرادة المحكومين، والواقع أن خضوع ممارسة النشاط السياسي للضوابط القانونية يعتبر من أسمى الأهداف التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها عبر الزمان والمكان, ومن أهم عوامل استقرار العلاقة بين الحكام والحكمين هو انسجام ممارسة النشاط السياسي مع القانون وهذا يؤدي إلى تكريس فكرة القانون فوق الجميع, كما أن المبدأ الإسلامي يؤكد على ضرورة انسجام وتوافق تصرفات الحكام وأنشطتهم المتعلقة بوظيفتهم مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وتجسد هذا المبدأ بشكل واضح في ممارسة الخلفاء الراشدين أثناء توليهم رئاسة الدولة الإسلامية النموذجية في المدينة. حيث كلفت الدولة آنذاك كل شخص حق الممارسة السياسية عبر الشورى، كما له الحق في تولي الوظائف العامة.
ففي الحديث عن الحق في الانتخاب, إذا كانت الحقوق المدنية تسمح للفرد بالتمتع بحريته الشخصية واستقلاله فإن الحقوق السياسية ضرورية لأجل أن تنظم للفرد مشاركته في الشؤون العامة لمجتمعه بصفته جزءاً منه, والحق في الانتخاب يعتبر تجسيداً حياً لمبدأ الشورى والديمقراطية, وقد أطلق الفقهاء على عملية الانتخاب، اسم البيعة الكبرى، وترتيباً على ما تقدم فإن أهل الحل والعقد لا يختارون رئيس الدولة في النظام الإسلامي اختياراً نهائياً يخول له سلطة الحكم دون العودة للشعب، بل لابد من عرض الأمر على المسلمين للبيعة الكبرى، فدور هذا الفريق من الأمة الإسلامية مهم وأساسي وجوهري لا غنى عنه", وقد نصت المادة 25 من الإتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسة الصادرة يوم 16/12/1966م على ما يلي: لكل مواطن الحق والفرصة دون أي تمييز في المادة 2 ودون قيود غير معقولة في: أن يشارك في سير الحياة العامة إما مباشرة أو عن طريق ممثلين مختارين بحرية, أن ينتخب أو أن ينتخب في انتخابات دورية أصلية وعامة وعلى أساس من المساواة على أن تتم الانتخابات بطريق الاقتراع السري وأن تتضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
ونصت المادة ( 21 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن " لكل فرد الحق في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين مختارين اختياراً حراً". ويتضح مما سبق أن حق الانتخاب ، هو أساس الحقوق السياسية ويجب على كل دولة أن تمنحه لكل مواطن دون تمييز من أي نوع سوء كان بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأس السياسي أو الأصل الاجتماعي أو القومي أو غيره, أما الحق في الترشح فيعني إن المستقرئ لمواد الشريعة الإسلامية الدالة على مقاصدها من التشريع يتبين له من كليات دلائلها وجزئياتها أن العمل السياسي في الإسلام الهدف منه حفظ نظام الأمة واستدامة صلاح حال الفرد والجماعة وانتظام أمورهم وقد امتن الله على الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم الصالحة بما مكن لهم في الأرض وما أصلح به من أحوالهم , ولا ريب أن الإسلام ترك اختيار رئيس الدولة بالضوابط المعتبرة إلى الأمة لتمارس ذلك بإرادتها بالطريقة المناسبة التي تتحقق بها مصلحتها، وفق ما يقدمه عصرها وواقعها من تجارب نافعة وآراء مفيدة مما يعطي صفة الاستمرارية لهذا التشريع في كل العصور والأزمان والأمصار ويسعد البشرية, وحق الترشيح يعتبر المرآة الحقيقة الكاشفة عن مدى ما وصلت إليه الدول من تقدم في مجال الشورى والتجربة الديمقراطية ومباشرة هذا الحق لا يكفي القول بوجوده أو النص عليه في صلب الدساتير، أو القوانين السارية، بل يجب أن تكون القوانين المنظمة لاستخدام هذا الحق كفيلة بأن تجعل الواقع العملي مطابق لمستوى القوانين المنظمة لهذا الحق.
كما لا يجب أن تكون تلك القوانين بعيدة عن الممارسة العملية للحقوق السياسية ومنها حق التشريح، من أجل مشاركة أكبر عدد ممكن في الحياة السياسية. فالمشاركة السياسية ذات تأثير على الفرد وعلى السياسة العامة للدولة, وبالنسبة للفرد تنمي إحساسه بذاته وثقل وزنه ووعيه السياسي في المجتمع وعلى مستوى السياسة العامة تعكس رغبات المواطنين في الاشتراك في توجيه دفة الحكم في البلاد وصنع القرار السياسي تحقيقاً للشورى والديمقراطية.
ولكن هل كل من له حق التصويت في الانتخابات له حق الترشيح ؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد أن نتعرض بشيء من الإيجاز لتجارب بعض الدول كالجزائر وفرنسا, ففي الجزائر نجد أن حق الترشيح والانتخاب لكل شخص حتى المهاجرين، المقيمين خارج الجزائر، وذلك بمقتضى قانون الانتخابات الجزائري الذي صدر في عام 1997م ونص القانون على تخصيص ثمانية مقاعد في البرلمان الجزائري للجزائريين المقيمين بالخارج" , كما خصصت فرنسا اثني عشر مقعداً بمجلس الشيوخ للفرنسيين في الخارج وخصصت إيطاليا اثني عشر مقعداً بمجلس النواب وهناك دول أخرى مثل رومانيا والبرتغال وكرواتيا ومقدونيا تتبع نفس النظام", ومثلما تحدد القوانين شروط المشاركة في تجمعات ومظاهرات سياسية، فإنها تحدد كذلك شروط الحق في الترشح والتصويت وهذه الشروط تعتبر شروط عامة وهي : الجنسية، وبلوغ السن القانونية، وعدم الاندراج ضمن الفئات التي يمنع عنها القانون حق الترشح إما بصفة مبدئية أو في حالات خاصة.
كما تحدد القوانين تنظيم عملية الترشيح من حيث مواقيتها وحيثياتها وحقوق المرشح في التعريف بنفسه، وببرنامجه ، كما تحدد الأماكن التي يعلن فيها هذا الترشيح، كما يحدد القانون حق المرشحين في تعيين من ينوب عنهم في مراقبة نزاهة العملية الانتخابية، وكذا طرق مدة الطعن والهيئات المختصة بالبت فيه" , أما الحق في تولي الوظائف العامة: تعتبر الوظائف العامة حقاً للمواطنين بمقتضى الدراسات والقوانين، والشريعة الإسلامية في تنظيمها لأمور الناس الحياتية، كفلت الحق في تولي الوظيفة العامة، وحققت العدل والمساواة وتكافؤ الفرص أمام أفراد المجتمع الإسلامي كافة, ومن أهم الحقوق أن لا يتولى الوظيفة العامة إلا الأصلح لها من أفراد المسلمين، فلا يتم الاختيار لقرابة أو صلة من أي نوع, وقد أكد على ذلك النبي (ص) إذ قال " من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله", وكان السلف الصالح يعتبرون أن الوظائف العامة هي حق للجميع، إذا اجتمعت في الشخص ثلاث وهي الصدق والأمانة والعدل، ، فمثل هذا إذا توافرت فيه صفة الخبرة والمؤهلات المطلوبة كان هو الأولى بتولي الوظيفة العامة, وقد نظم القانون العام وبصفة خاصة الفانون الدستوري الحق في تولي الوظيفة العامة ويعني بذلك من حق أي شخص أن يمارس نشاطاً يؤدي به أعمال وظيفة عامة في الدولة, وحق تولي الوظائف العامة قاصر على المواطنين دون الأجانب في الأصل، كما أن القانون يقصر هذا الحق على من تتوافر فيه شروط معينة كأن يشترط الحصول على شهادة معينة لتولي الوظيفة .
ويعني حق تولي الوظائف العامة كذلك إتاحة الفرصة أمام كل مواطن يريد أن يتوظف ليكسب عيشه في اختيار الوظيفة التي يريد أداءها وفقاً لمؤهلاته العلمية وصفاته الشخصية، ولا يجوز للدولة أن تحتكر الوظائف لفئات خاصة من المجتمع وفقاً للجنس أو اللون أو الدين أو الفكر. وقد نصت الاتفاقات الدولية والإقليمية على هذا الحق.