الإخلاص في العمل جوهر التغيير
أ.م.درياض حسين عدنان
الاخلاص في العمل هو سير الانسان بنجاح نحو الهدف وصنع التغيير والتقدم، لذلك يتخلى عن اطماعه الانانية ورؤيته الضيقة ونرجسيته الحساسة، ويتحرك بنقاء بالمشاركة مع الآخرين لتحقيق ذلك التغيير، اما عدم الاخلاص في العمل فهو الاستئثار بالمكتسبات واقصاء الآخرين وسيطرة نزعة التسلط من خلال بروز النزعات الانانية والذاتية، من هنا فان امراض التخلف والاستبداد والفساد هي نتاج عدم وجود اخلاص في العمل، كما ان جوهر التغيير الصادق والفعال يمر عبر مسيرة الاخلاص. يراد من معنى (الإخلاص) في اللغة بقولك ذهبٌ خالص أي خال من الشوائب، ويعني صدق توجه القلب وخلوه من أية شائبة ويزداد في معناه بواقع الحياة بأنه التفاني في الاعمال وإتقانها على أحسن وجه، والعمل من اجل مطلوبية العمل دون النظر الى الثواب والعقاب، ويمكننا وصفه بانه الطريق المستقيم للوصول الى الهدف وهو اقصر الطرق بالحساب الهندسي المتعارف، وتكون تركيبة النفس الذاتية فطريا ميالة لذلك المبدأ من دون النظر الى باقي الأبعاد الأخرى. وجود هذه الصفة في أي ميدان سبب للتقدم والنجاح وعكسه يكون الفشل حتميا، فهو ضد الفساد والتسيب والتساهل والتكاسل والتراخي، ولعل فقدان هذا الشعور في عمل الإنسان جعل دول كثيرة تعاني من أنواع متعددة من الفشل، سياسي واقتصادي وخدمي وإداري وتعليمي. فلو أمعنا النظر لما تعيشه الدول الناجحة في مستويات عدة وخصوصا المتطورة منها نجد إن أسباب تقدمها لم تنتج من مراقبة لجان برلمانية او جهات حكومية، ولا لجهات نزاهة ورقابة مالية فحسب رغم أهميتها وشدتها، بل إن السبب الأول في نجاحهم ناتج من التركيبة الاجتماعية والنفسية لذات شعوبها ضمن شبكة رقابة ذاتية مرتكزة على مبدأ (الإخلاص) في جميع الميادين، بحيث أصبحت تلك السمة لديهم بمرتبة القوانين الأساسية والقواعد الأخلاقية التي لا يمكن تجاوزها. فيما فقدت الكثير من الدول ذلك على مستوى واسع بل اصبح من النادر جدا التفكير بالمصلحة العامة وترك المصلحة الخاصة، في قبال ذلك أصبح العمل الروتيني التقليدي الاستهلاكي بالطرق المتعارف عليها منتشر بشكل عام. في عالمنا العربي عموما والعراق خصوصا ورغم إننا ننتمي الى منظومة قيم متعددة من العقائد الدينية والالتزامات الاجتماعية والثوابت الاخلاقية، الا انها وللاسف لم تستطع لحد الان من دفع اغلبنا الى انتهاج حركة ذات صبغة ونزعة (ايثارية) في واقع الحياة إلا بنسب ضئيلة، وخضعت اغلب أعمالنا الى نهج قائم على اساس الاطر الشكلية فيما بقي السمو بالاعمال الى افضل مرتبة بعيدا عن حركتنا. الأديان السماوية بمجملها لم تغفل عن هذا الجانب بل وضعته في أساسيات العقيدة والعبادة والعمل، والتأكيد عليه ظل محل اهتمام الجميع، فيما ترجم علماؤنا الأفاضل الآيات القرآنية والأحاديث الواردة، لبيان مدى تأثيره على الواقع الحياتي والأخروي، حيث يضع المرجع الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي رحمه الله في هذا الجانب علامات مهمة للإشارة في ذلك بقوله (… بانه (الاخلاص) تصفية السر عن ملاحظة ما سوى الخالق وهو واقع لنتائج، عرفها الإنسان أو لم يعرفها…، ولا يكون ذلك فقط لأجل الحذر من العذاب الأخروي وكسب الرضوان الأكبر المتمثل بالجنان فحسب…، فإذا شرع الإنسان في عمله وعلمه بإخلاص وإيمان نجح نجاحاً منقطع النظير…). ولذلك تجد الكثير ممن ليسوا على خط التدين، الا انهم يلتزمون بجوهر مبادئ الاديان من حيث لايعلمون ويطبقونها فيكون ناتج عملهم النجاح كونهم قد عملوا ضمن معادلة صحيحة. هذا المنهج الذي فقد من عملنا وتوجهاتنا لن نجد له بديلا، الا باستحضاره والسير ضمن اطره، فهو يشترك مع الانسان في جميع فصول حياته، فلايمكنللانسان ان يجد ويجتهد في عمل ما الا اذ كان الاخلاص اساسا لحركته. يقول الامام علي (عليه السلام): ( انفسكم ميدانكم الاول فاذا قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر). ولعلنا نحتاج في هذا الميدان الكبير الى حملة واسعة نبتدئ بها بانفسنا وعوائلنا ومجتمعنا لنجعل الاخلاص اساسا في جميع الميادين، والا فلو بقينا مئات الاعوام على حالنا فلن نجد النجاح ولن نوفق اليه، فالعبرة بالنهايات والاسباب بالمقدمات.