المحاضرة السادسة
الاحتلال البريطاني للصين
كانت بريطانيا قد احتلت مكان الصدارة على المسرح الدولي بفضل الانقلاب الصناعي والتوسع الخارجي. وتقهقرت الدول الاستعمارية التقليدية الأخرى عن اللحاق بها، إذ قنع البرتغاليون بممتلكاتهم الصغيرة المتناثرة في أنحاء آسيا افريقيا. وانزوت اسبانيا في أرخبيل الفلبين. وتوقفت على المشاركة في التطورات الآسيوية وقنعت هولندا بالجزر الأندونيسية بعد أن طردتها بريطانيا من سيلان، وكادت أن تفقد مستعمراتها في حروب نابليون. وخرجت فرنسا متهالكة من ثوارتها الكبرى ومغامراتها النابليونية. ولم تكن الو. م. أ قد استكملت توسعها نحو الغرب وأقفلت أبوابها على نفسها قانعة بأراضيها البكر ونفوذها في أمريكا اللاتنية بحكم ” مبدأ مونرو”. وكانت امبراطورية النمسا والمجر مستغرقة في منازعاتها الأوربية والمحافظة على كيانها المترنح أمام ضربات الحركات القومية. أما آلمانيا وإيطاليا فلم تكونا قد استكملتا مقومات وحدتهما بعد وانحصر همهما في مشاكلهما القومية.
أما بريطانيا فكانت الدولة الوحيدة في العالم التي أتاح لها استقرارها السياسي وثورتها الصناعية مركزا متينا جعلها توجه نشاطها إلى التوسع في الخارج بعد انتصارها على عدوها اللدود نابليون وتأكيدها المطلق لسيادتها على البحار. وأتاح لها فتح الهند فرصة فريدة لدعم قوتها ونفوذها فأخذت تؤمن طرقها البحرية إلى الهند وتثبت أقدامها في منطقة جنوب شرقي آسيا باحتلال سنغافورة وبورما وسيلان.
بهذه الأطماع برزت بريطانيا تنظر إلى الصين في توسعها شمالا بعد أن دانت لها الهند وكل أرجاء المنطقة تقريبا. وهكذا واصلت بريطانيا ضغوطاتها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية على الصين باسم الانفتاح على التجارة مما جعل كل وقائع التاريخ الصيني بعد حروب الأفيون عبارة عن محاولات القوى الأجنبية اقتطاع أوصال الإمبراطورية الصينية واقتسام مناطق النفوذ فيها. وما واجهته هذه المحاولات من مقاومة شعبية تجلت في عدد الانتفاضات الفلاحية التي شهدتها أغلب أرجاء الإمبراطورية. وانتهى مسار تطور الأوضاع في الصين بإرغامها على قبول نظام شبه استعماري من خلال معاهدات غير متكافئة عقدتها الحكومة الصينية مع مختلف القوى الاستعمارية المتنافسة.
– خلفية تاريخية :-
تعد الصين ثالث بلد في العالم من حيث المساحة. ومن اكبر المناطق تعميرا إذ تمثل ساكنتها ما يقرب من ربع سكان العالم وتتسم الطبيعة الصينية بتنوع مناخها ووحداتها التضاريسية.
*سلاسل جبلية مرتفعة سلسلة الهملايا 8840 – سلسلة كوين لون – سلسلة تسين ليتغ – سلسلة تيان شان.
*سهول واسعة:السهل الكبير (السهل الأصفر) – سهل منشوريا.
*هضاب منخفضة مغطاة بطبقة سميكة من اللوس وأهم هذه الهضاب Chansi- Chensi .
وتخترق هذه الوحدات أنهار كبيرة تقع على أطراف بعضها أهم التجمعات الحضرية الصينية (يوهان- شنغاي)، ومن اهم هذه الأنهار اليانغ تسي كيانغ(النهر الأزرق).
ونفس التنوع يطبع مناخ الصين إذ يمكن التمييز بين ثلاثة نطاقات مناخية:
*مناخ قاري يسود الصين الغربية
*مناخ معتدل يسود الصين الشمالية
*مناخ مداري استوائي يسود الصين الجنوبية.
على أن أهم ما يعنينا من تقديم هذه المعطيات الطبيعية هو إبراز الدور الذي لعبته في تشكل تاريخ الصين الحديث. ومن هذه الزاوية يمكن تقسيم البلاد بناء على معيار تاريخي حضاري.
1. صين الثمانية عشر اقليما في الشرق، يحيط بها بحر الصين ويحدها السور الصيني. وتعد المنطقة الأكثر غنى وتعميرا.
2. صين التخوم Chine des cofins. وتمتد شمالا وغربا وتضم منشورياMandchourie منغولياMangolie، سيان كيانغSinkiang التبتTibet . وتتميز بشساعة مساحتها وقلة سكانها.
فبخصوص صين الثمانية عشر إقليما فهي تنقسم إلى 3 وحدات:
1) صين الشمال أو بلاد الأرض الصفراء: تعد مهد الحضارة الصينية ومفتاح الصين. شكلت دوما منطقة جذب بشري لما تتوفر عليه من شروط ملائمة كوفرة تربة اللوس سميت ببلاد القمح، وسهولة المواصلات والتنقل. وقد لعبت دورا تاريخيا. حيث ظلت لفترة طويلة مركزا لحكم أسرة الهان Han ومقرا للعاصمة (بيكن)، فضلا عن أهميتها التجارية باعتبارها محور التبادلات القارية ومحطة تبادل القوافل. غير أن حصيلة المشجدات التي طرأت على الصين خلال القرن 19 أدت إلى تراجع الدور القيادي لهذه المنطقة.
2) صين الجنوب أو بلاد الألف تل
نظرا لطبيعتها التضاريسية من جهة، ولتواجه المثقفين الذين هم على اتصال بالعالم الغربي من جهة ثانية. فقد شكلت هذه المنطقة مركز المقاومة الشعبية وموطن المعارضة السياسية (موطن ماوتسي تونغ – الهونان) سن يات سن (مقاطعة كوانك دونك دونغ).
3)الصين الوسطى أو صين اليانغ شي كيانغ
تمثل حاجزا حال دون سهولة التواصل البشري والفكري بين الصين الشمالية والصين الجنوبية. وقد شهدت مع بداية التدخل الأجنبي تطورا اقتصاديا هاما وإجمالا يمكن تصنيف خاصية كل منطقة كما يلي:
-الصين الشمالية: مركز التقاليد والعادات القديمة.
-الصين الجنوبية: منطقة الانفتاح نحو العالم الجديد
-الصين الوسطى: منطقة مفتاح الصين الاقتصادية.
وبخصوص صين التخوم Chine de confins فقد لعبت هذه المقاطعات المحيطية على امتداد تاريخ الصين أدوارا تاريخية متعددة منها:
-منطقة عبور القوافل المحملة بالمواد الثمينة.
-منطقة التقاء البوذية والإسلام.
-منطقة مرور واتصال مع الحضارات الخرى (إيران الهند) وقد بني السور الصيني بغرض حماية هذه التخوم من الهجومات المتكررة التي تعرضت لها الصين في فترات مختلفة من تاريخها.