محاضرة / تاريخ العالم المعاصر. قسم التاريخ: كلية التربية الاساسية .
د. سوسن عادل ناجي المرحلة/ الثالثة .
المحاضرة الاولى
الاوضاع الدولية بين عامي 1931-1939
اولاً: الاحتلال الياباني لمنشوريا:
يعود الاهتمام الياباني بالصين الى القرن التاسع عشر عندما بدأت الدولة اليابانية بناء قواتها العسكرية والاقتصادية ليصبح قوة مؤثرة في منطقة الشرق الاقصى تعمل على مد نفوذها الى المناطق الاسيوية المحيطة بها، وترجم ذلك عملياً عام 1895 عندما اجتاحت القوات اليابانية الاراضي الصينية وتمكنت من احتلال اجزاء واسعة منها، الا ان التنافس الدولي حول الصين وقف حائلاً امام تطلعات اليابان اذ انذرت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا والمانيا الحكومة اليابانية بوجوب الانسحاب من الاراضي الصينية والا واجهت اجراءات رادعة من قبل تلك الدول الامر الذي اضطر معه اليابان للاستجابة للانذار والانسحاب من الاراضي الصينية([1]).
ومع بداية القرن العشرين وفي محاولة منها لاستغلال الاوضاع الداخلية غير المستقرة في الصين لتحقيق اهداف عملت الحكومة اليابانية على احتضان الحركة الثورية الصينية بزعامة (صن يات صن) والتي كانت تعمل بكل الوسائل المتاحة للتخلص من السيطرة الاستعمارية الغربية على الصين وتوحيد البلاد، واعلن صن عن تأسيس خزب الشعب الصيني على الاراضي اليابانية واقامة جيش وطني صيني بمساعدة من الضباط اليابانيين([2]).
في عام 1905 خاضت اليابان حرباً مع روسيا حول منطقة منشوريا الغنية بالموارد، انتهت بانتصار ياباني تمثل بتمكن اليابان من تأسيس وجود لها في منشوريا من خلال سيطرتها على خط السكك الحدودية في منشوريا الجنوبية مع منحها حق حماية هذا الخط بقوات عسكرية يابانية.
في الحرب العالمية الاولى اجبرت اليابان الصين على توقيع اتفاقية في 14 ايار من عام 1915 حصلت بموجبها على امتيازات مهمة في منشوريا الجنوبية.
وعلى الرغم من موافقة اليابان على نصوص الاتفاقية التي تم عقدها في مؤتمر واشنطن عام 1922 والقاضية بتعهد اليابان بالانسحاب من الاراضي الصينية استجابة لرغبة الدول الكبرى، الا انها استمرت بالضغط على الصين التي تعهدت بالحفاظ على المصالح اليابانية.
عندما حصلت الازمة الاقتصادية العالمية عام 1929 واتجهت الدول الكبرى لمعالجة شؤونها الداخلية فضلاً عن تأثير الازمة على الاقتصاد الياباني الامر الذي دعا الحكومة اليابانية للبحث عن الوسائل الممكنة لمعالجة اثار الازمة، ترافق هذا مع وصول قادة سياسينذا نزعة عسكرية الى السلطة في اليابان، كل هذه العوامل دفعت بالحكومة اليابانية بالتخطيط لاعادة السيطرة على منطقة منشوريا الصينية، ولكي تجد مبرراً يعفيهامن التزاماتها التي اقرتها في مؤتمر واشنطن عام 1922 فقد استغلت حادثة (قد تكون مفتعلة) تمثلت بانفجار قنبلة على خط سكك الحديد جنوب منشوريا والذي تديره اليابان لم تؤدي الى اي اضرار تذكر ولكنها اعتبرت هذه الحادثة كافية لتبرير اجتياح القوات اليابانية الاراضي الصينية بحجة حماية مصالحها في منشوريا وذلك في 18 ايلول 1931، ولكي يكرس هذا الاحتلال ويصبح تواجد القوات اليابانية فيه دائمي فقد اعلنت اليابان استقلال اقليم منشوريا وعينت فيه حكومة وضعت على رأسها احد الامراء الصينين المعزولين.
لم تتوقف اليابان عند هذا الحد، فقد استمر نشاطها العسكري في الصين وقامت باحتلال مناطق واسعة من الاراضي الصينية، واصبحت عملياتها العسكرية عند قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939 جزءاً من عملياتها العسكرية لمواجهة الحلفاء.
السؤال هنا ما هو الموقف الصيني والدولي من الاحتلال الياباني ، وما هي اثاره على السلام العالمي؟
- بسبب عجزها عن رد الاحتلال عسكرياً فقد لجأت الصين الى عصبة الامم وطالبت بتدخلها لسحب القوات اليابانية من اراضيها، الا ان العصبة كانتاضعف من ان تتخذ موقف حاسم تجاه الموضوع، واكتفت بتشكيل لجنة دولية اوصت باعادة السيادة الصينية على منشوريا، الا ان اليابان استهانت بقرارات العصبة بل وققرت الانسحاب منها.
- لم يكن موقف الدول الكبرى بمختلف عن موقف العصبة وذلك من خلال الاكتفاء بالمطالبة المجردة، دون اتخاذ اي اجراءات عملية لليابان بالانسحاب من الاراضي الصينية، فالولايات المتحدة التي كانت من اكثر الدول تضرراً من الاجراء الياباني نتيجة لاهمية الاسواق الصينية للمنتجات الامريكية الا ان الحكومة الامريكية عجزت عن اتخاذ موقف حازم ضد اليابان، لاسيما بعد وصول فرانكلين روزفلت الى السلطة عام 1933 والذي ركز جهوده لاصلاح الاوضاع الداخلية واثار الازمة الاقتصادية ولم يعر اهتماماً الى المشاكل الدولية واكتفى بعدم الاعتراف بالامر الواقع الذي حاولت اليابان فرضه في الصين.
اما الدول الاوربية فكانت جميعها منشغلة بمعالجة ازمتها الداخلية واكتفت بالاعتماد على عصبة الامم لمعالجة القضية، وحتى بعد ان توسع النشاط العسكري الياباني في الصين ومحيطها الاقليمي لم تتخذ الدول الاوربية الاجراءات اللازمة ضد اليابان فكانت الاوضاع الاوربية والتهديدات الالمانية للسلام الاوربي هو اكثر ما يشغلها خلال المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
- شجع الموقف الدولي المتراخي من ازمة منشوريا الحكومة اليابانية على الاستمرار في سياستها تجاه الصين وكذلك في اتجاه الدول المحيطة بها، اذ رفعت شعار(اسيا للاسيويين) وبدأت اليابان بتقديم الدعم المادي والعسكري لشعوب المنطقة تحت مبرر مقاومة النفوذ الغربي الذي عدوه استعمارياً.
- اتفقت السياسة اليابانية هذه مع السياسة الالمانية التي انسجمت معها في امور عدة :
- أ-طبيعة النظام الديكتاتوري.
- ب-النزعة العسكرية التوسعية.
- ج- العداء مع الدول الديمقراطية في الغرب.
الامر الذي سمح بظهور محور برلين- طوكيو والذي كان اساساً للتحالف الذي حصل خلال الحرب العالمية الثانية وانظمت اليه ايطاليا لنفس الاسباب السابقة.
ثانياً: الغزو الايطالي للحبشة :
منذ ان توحدت ايطاليا عملت على ان تكون لها حصة في التوسعات الاستعمارية التي اتسمت بها العلاقات الدوليةخلال القرن التاسع عشر ومن هذا المنطلق ارسلت بجيوشها الى الحبشة عام 1896 بهدف السيطرة على تلك المنطقة المهمة جغرافياً واقتصادياً، الا ان القوات البريطانية منيت بهزيمة كبيرة على يد الجيش الحبشي في موقعة عدوة، وفي عام 1911 تمكنت ايطاليا من السيطرة على السواحل الليبية الا انهم لم يتمكنوا من السيطرة على جميع الاراضي الليبية لما لقيته القوات الايطالية من مقاومة باسلة من الشعب الليبي.
وعند مجيء الفاشيين الى السلطة عملوا على بعث هذه النزعة التوسعية وبدأ ذلك بقمع المقاومة الليبية والسيطرة على كامل الاراضي الليبية بعد القضاء على ثورة عمر المختار واعدامه في ايلول عام 1931.
وفي عام 1935 ونتيجة للموقف الدولي المتخاذل من العدوان الياباني على منشوريا وفشل عصبة الامم في الوقوف بوجه القوة الفاشية لليابان، شجع ذلك موسيلني على القيام بمغامرة عسكرية لاحتلال الحبشة (اثيوبيا) والتي فشلت ايطاليا في السيطرة عليها سابقاً، ففي 3 تشرين الاول استغلت ايطاليا حوادث عسكرية بسيطة في المنطقة لترسل جيشها الى الحبشة وتمكنت تلك القوات مستغلة تفوقها العددي فضلاً عن معداتها الحربية الحديثة من تحطيم المقاومة الحبشية واحتلال العاصمة اديس ابابا واعلنت الحبشة جزء من الاملاك الايطالية.
([1]) ان الانسحاب الياباني من الصين لم يكن مؤشر لضعف القدرات العسكرية اليابانية وانما كونها قد حققت جل اهدافها ومن اهمها السيطرة على كوريا بشكل كامل والتي تمثل المدخل البري لليابان الى اسيا فضلاً على انها رسمت الخطوات اللازمة لتحقيق اهدافها في المستقبل والمتعلقة بمد نفوذها الى كل من منشوريا وسيبيريا.
([2]) تمكن صن يات صن بمساعدة اليابان من اسقاط الامبراطورية في الصين واعلان الجمهورية عام 1911 الا ان صراعاً على السلطة نشب في الصين ادى الى ابتعاد صن عن السلطة حتى عام 1920 ليعود مجدداً الى السلطة الا انه توفي عام 1925 ليخلفه تشان كاي شك الذي تزعم الجناح الليبرالي في الحرب الاهلية الصينية ضد ما والتي استمرت حتى عام 1949.