الشخصية والثقافة Personality and Culture
تنبه علماء النفس الى الدور المتزايد الذي تلعبه الثقافة في فهم الشخصية.بالنسبة لبعض الطلاب، فان هذا الرصد يبدوا من الوهلة الاولى غير متسق مع مفهوم الشخصية باعتباره متمايز عن التأثير الموقفي في السلوك. مع ذلك ، علماء نفس الشخصية في الدول الغربية المتطورة يفهمون ان العديد من الافتراضات الاساسية بالطريقة التي وصفناها وتدرس بها الشخصية ربما لا تنطبق عندما نتعامل بها مع الناس من ثقافات مختلفة (Church، 2001; Kitayama& Markus، 1994; Rozin، 2003) . ليس فقط الخبرات المختلفة في الثقافات المختلفة تؤثر في كيفية تطور الشخصية. بالأحرى علماء النفس وصلوا الى رؤية ان الناس وشخصياتهم تتماشى وفقاً للسياق الثقافي.
ربما التمايز الاكثر اهمية بين الباحثين عبر الثقافات هو بين الثقافات الفردية وثقافة الجمعية(Triandis، 1989، 2001 ). الثقافات الفردية Individualistic cultures ،والتي تتضمن اغلب دول شمال أوربا والولايات المتحدة، وهي تولي تركيزا كبيرا لحاجات الفرد وانجازاته. الناس في هذه الثقافات يعدون انفسهم على انهم مستقلين ومميزين. في المقابل، الناس في الثقافات الجمعية Collectivist cultures يهتمون بالانتماء الى مجموعة اكبر كالعائلة والقبيلة او الامة. وهؤلاء الناس اكثر اهتماما بالتعاون من التنافس. وهم يشعرون بالرضا عندما يكون الاداء الجماعي جيد وليس الاداء الفردي. واوصاف هذه الثقافة تنطبق على العديد من دول اسيا وافريقيا وامريكا الوسطى والعديد من دول امريكا الجنوبية. وبناء على ذلك، هذه المصطلحات درست بصورة مكثفة من قبل علماء نفس الشخصية الغربيين وهي تأخذ معاني مختلفة تماما عندما تدرس من قبل علماء من مجتمعات الثقافة الجمعية. على سبيل المثال، البحوث التي روجعت في الفصل 12 اقترحت بان تقدير الذات في الدول الغربية استندت على افتراض الاهداف الشخصية والشعور بالتميز وهذا ربما ليس له معنى لمواطني الدول الاخرى( Markus &Kitayama، 1991 ).
اكثر من ذلك، انواع السلوك التي اختبرت في بحوث الشخصية يمكن ان تأخذ بمعاني مختلفة اعتمادا على الثقافة. مثال على ذلك، ضل علماء الشخصية لسنوات عديدة مهتمين بالسلوك التحصيلي. وطبيعيا هذا يعني محاولة للتنبؤ اي من الاشخاص سوف يسير قدما في الدراسة الاكاديمية او في مجال الاعمال. مع ذلك هذا التعريف للتحصيل والنجاح غير متفق عليه عالميا( Salili، 1994 ). في بعض الثقافات الجمعية النجاح يعني التعاون والانجازات الجماعية. الاعتراف الشخصي ربما قد يكون مستهجن من قبل الناس الذين يعيشون في هذه الثقافات. وبالمثل علينا ان ناخذ بنظر الاعتبار المرجعية الثقافية للشخص حينما نريد ان نتعرف على اضطراباته ومعالجتها (Fischer،Jome،& Atkinson، 1998; Lewis-Fernandez &Kleinmam، 1994; Okazaki، 1997 ). على سبيل المثال ان السلوك الذي يشير الى وجود اعتماد مفرط او انانية مبالغ فيها في احدى الثقافات ربما تعكس تكيف جيد في ثقافة اخرى.
و من الجدير بالذكر ان اغلب النظريات وكثير من البحوث التي غطيت في هذا الكتاب قد روجعت على اساس الثقافات الشخصية. في الحقيقة ان اغلب البحوث قد اجريت في الولايات المتحدة، البلد الذي وجد في احدى الدراسات على انه الاكثر فردية من بين 41 دولة اجريت عليها الدراسة( Suh،Diener،Oishi،&Triandis، 1998 ). هذا لا يعني ان نتائج البحوث يجب ان ترفض. ولكن يجب ان نضع في اذهاننا سواء اكان الوصف العملي ينطبق على الناس في جميع الثقافات فان السؤال يبقى مفتوحا. في بعض الحالات ، كما في بحوث محتوى الحلم التي قدمت في الفصل 4 و دراسات انماط الزواج التي قدمت في الفصل 10 ، وجد الباحثون نتائج متطابقة عبر جماعات ثقافية مختلفة جدا. وفي حالات اخرى، كما في تقدير الذات وامثلة التحصيل الدراسي، وجدوا اختلافات مهمة بين الثقافات. ان تحديد القيود الثقافية او عالمية الظواهر المختلفة يقدم لنا رؤية اضافية في طبيعة المفاهيم التي نقوم بدراستها.
دراسة الشخصية: النظرية، التطبيق، التقييم والبحث
The Study of Personality: Theory، Application، Assessment and Research
اذا قضيت بعض الوقت تتفحص جدول المحتويات في بداية الكتاب ، سوف تلاحظ ان الكتاب جزأ الى اقسام. كل قسم يقدم منهج مختلف من مناهج الشخصية. كل واحد من هذه الاقسام قسم الى اربعة اجزاء(في فصلين). هذه الاقسام تمثل العناصر الاربعة الضرورية لأكمال فهم الشخصية. كل قسم يبدأ بعرض نظرية. كل واحدة من نظريات الشخصية التي غطيت في هذه الصفحات تمثل نموذجا متكاملا لكيفية بناء وعمل شخصية الفرد. لكن علماء النفس لم يضمنوا ابدا وصفا بسيطا للشخصية. بل لدينا تاريخ طويل من المعلومات التي حصلنا عليها من النظريات والبحوث لتطبيقها في الاجابة على الاسئلة والمسائل التي تؤثر مباشرة على حياة الناس. تتضمن التطبيقات العلاج النفسي والتعليم والسلوك في اماكن العمل. تم اعطاء مثل حول الكيفية التي طبق بها علماء النفس نظرياتهم على هذه المواضيع باستخدام كل واحد من المناهج. علماء النفس الذين يعملون مع كل واحده من هذه المناهج عليهم ايضا ان يطوروا ويستعملوا طرق لقياس بناء الشخصية التي يدرسونها. اما التقييم فهومجال اخر مهم غطاها علماء نفس الشخصية مع كل منهج. تناثرت الامثلة عن اجراءات تقييم الشخصية في هذا الكتاب. اذا منحت نفسك وقت لتجريب هذه المقاييس inventories فانك لن تحصل فقط على فهم افضل لكيفية قياس الشخصية من قبل العلماء من مختلف المناهج، ولكن ايضا سوف تكون لك بصيرة على ما في داخل شخصيتك. بالإضافة الى هذا، مع كل قسم فان هناك فصل مكرس لبحث ذات صلة لذلك المنهج في الشخصية. بعد هذا كله فان علم نفس الشخصية هو علم. بواسطة فحص عدد قليل من المواضيع البحثية بتعمق لكل واحدة من هذه المناهج فأنك سوف ترى كيف تولد النظريات بحوث وكيف ان نتائج الدراسة تقود بشكل طبيعي الى اسئلة جديدة والى مزيد من البحث.