العلوم المساعدة الضرورية لدراسة التاريخ
الجغرافية: من العلوم المساعدة الضرورية لدراسة التاريخ والارتباط عليه وقائع التاريخ وهي ذات اثر كبير في توجيه مصائد النوع الانساني، فهي التي اطمعت الانسان وانشأته تشحذ قريحته للتغلب عليها وللتأثير بدوره في البيئة التي يعيش فيها والعمل على استغلالها.
وللظواهر الجغرافية المختلفة اثر كبير مع غيرها من المؤثرات في الانسان وبالتالي في التاريخ، وذلك تبعاً لنوع تفاعله مع بيئته ومواجهته لظروفها، فالسهول والجبال والصحاري والوديان والانهار والبحار والخليجات والغابات والجزر والمناخ والرياح ونوع الثروة الطبيعية والموقع الجغرافي تؤثر كلها في تكوين الانسان، وتؤثر في لغته ونبرة صوته، وفي لون بشرته وعينه وشعره وفي اساطير واديانه، ، وفي ملكاته العقلية وفي فكره وفلسفته، وفي ادبه وفي موسيقاه وفي هندسته ومعماره وفي علمه وفي طبه ودوائه وفي رسمه وتصويره ونحته وفي خلقه وسيكولوجيته، وفي مدته وحقوله وقراه وفي قوانينه وشرائعه وفي صرفه ومهنه، وفي فقره وغناه وفي حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي مذلته وايائه، وفي سير معاركه وفي حرية وسلامه.
وعتقد بعض السكان في المناطق الباردة –مثلاً – ان الجحيم عبارة عن عالم يسوده الظلام الحالك والزمهرير والبرد القارس، ويعتقد بعض الساكنين في المناطق الدافئة ان الجحيم عالم تغلب عليه الحرارة والنيران المتأججة المستعرة ابدأ ورتبط مثلاً سير المعارك الحربية بالتضاريس الارضية فعلى المؤرخ ان يعرف هل كان مركز احد المتحاربين افضل من مركز الاخر، وهل سيطر على منافذ بعض الجبال؟ او هل كانت ارض المعركة ارضاً سهلة وكان من الميسور التحرك فيها ام كانت منطقة مليئة بالمستنقعات، ام احتوت على مخابئ وثنيات. وهل كان الجو في يوم او في ايام المعركة صحواً ام كان عاصفاً مطيراً، ام كان حاراً قائظاً؟
ومما يوضح لنا اثر الجغرافيا في التاريخ ما نلاحظه من تدخلها احياناً تدخلاً حاسماً في تغير مجرى التاريخ، فمثلاً عاق البحر تقدم تيمورلنك عن العبور الى اوربا بعد ان هزم بيزيد الاول في موقعة انقرة في سنة 1402 وبذلك لم يتمكن من القضاء على الدولة العثمانية الناشئة، فاستعادت مكانتها بعد قليل وادت للشرق الادني دورها التاريخي في عصر تقدمها وقوتها، وساعدت العواصف والانواء الاسطول الانجليزي في التغلب على الارمادا الاسبانية الضخمة في سنة 1588 مما ادى الى هبوط اسبانيا وارتفاع شأن انجلترا ، وسهول روسيا الشاسعة وشتاؤها القارس كانت عوامل ادت الى اخفاق حملة نابليون عليها في سنة 1812، وكذلك الجبال بالنسبة لزحف جحافل هتلر عليها عن بحر البلطيق حتى البحر الاسود في سنة 1941، ولدراسة تاريخ مصر مثلاً لابد من معرفة احوالها الجغرافية فالنيل هو مصدر حياة مصر وهي هيئة الكبرى، ولقد تركزت حياة المصريين القدماء في هذا الوادي الضيف الخصيب وعلمهم فيضان النيل المنتظم هندسة الري وجعلهم يدركون معنى الوحدة ومعنى التعاون في سبيل تحقيق لمصلحة المشتركة والصحاري المحيطة بوادي النيل تظمنت اتصاله بالعالم الخارجي وحددت هجرات الشعوب منه واليه، موقع مصر الجغرافي اتاح لها الفرصة لتكوين امبراطورية عظيمة في عهد تحتمس الثالث وكذلك موقع مصر الجغرافي بين الشرق والغرب جعلها تجمع مع غيرها من دول اوربا ثروة طائلة لمرور التجارة العالمية باراضيها في اثناء العصور الوسطى وبفضلها استطاعت ان تشير حضارة متقدمة، وان تقف امام قوى الغرب في اثناء الحروب الصليبية، وان كانت هذه قد انتهت في هذا العدد الى المزيد من النشاط في تلك التجارة العالمية، بعد ان وضعت تلم الحروب اوزارها، وحينها تحول طريق التجارة العالمية الى راس الرجاء الصالح، بفضل الكشوف البرتغالية في اواخر القرن الخامس عشر، وكجزء متمم لحركة النهضة الحديثة التي كانت ثورة انسانية كبرى، اصيب مصر وغيرها من دول اوربا والبندقية بحاجة بضربة قوية، فهبطت تجارتها واختلف ماليتها واضطرب نظامها السياسي حتى لم يبو السلطان الغوري على ان يقف في وجه القواتالعثمانية الزاحفة عليه في سنة 1516 وبذلك زالت دولة المماليك من الوجود السياسي في سنة 1517 ومع ذلك فاننا نجد ان موقع مصر الجغرافي ذاته قد مهد الفرصة لمحمد علي الوالي العثماني لا لمحاولة الاستقلال عمر فحسب بل لغزو الدولة العثمانية في ارضها ولمحاولة اقامة امبراطورية مصرية قوية في النصف الاول من القرن التاسع عشر، وهذه كلها امثلة توضح لنا اهمية الجغرافيا لدراس التاريخ وتبين الى اي مدى يرتبط احدهما بالاخر فعلى الباحث في التاريخ ان يعرف الاحوال والعوامل المختلفة التي تحيط بالشعب او بالعصر او الناحية التي يدرسها.
المصادر :
- حسن عثمان، منهج البحث التاريخي، دار المعارف ، ط13، القاهرة ، 1993 .
- شوقي الحمل، علم التاريخ نشأت وتطوره ووضعه بين العلوم الاخرى ومناهج البحث فيه، الطبعة الاولى، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1982.
- محمد مصطفى صفوت، التاريخ اهميته وطرق تدريسه، مجلة العلوم ، القاهرة، 1942.
- حسن عثمان، كيف يكتب التاريخ، مجلة الرسالة، القاهرة، 1941.