المادة :علوم الحديث
المرحلة الاولى
التاريخ : الاسبوع الاول
الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 2014-2015
عنوان المحاضرة : اهمية السنة النبوية والعناية بها , وتاريخ التدوين
الشرح :
تعود اهمية السنة النبوية الشريفة الى انها المصدر الثاني من مصادر التشريع في الاسلام بعد القران الكريم , فهي اما مؤيدة مؤكدة لما جاء في القران الكريم من اوامر ونواه وغير ذلك , او مبينة لما يحتاج منه الى بيان . وذلك بأمر الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام بالبيان بقوله تعالى : وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون (1) اي القران , لتبين بالسنة ما يحتاج منه الى بيان , او مضيفة لحكم لم يرد له ذكر في القران . وقد امر الله تعالى باتباع السنة النبوية واعتمادها في القران الكريم ذاته فقال تعالى : وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(2)
وقال تعالى : يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول (3) وقال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (4)
ونظرا لما رأيت من المكانة السامية للسنة والاهمية البالغة لها في الدين , فقد حظيت بعناية الصحابة رضي الله عنهم واهتمامهم البالغ بها بعد اهتمامهم بالقران الكريم ,فتلقوها وحفظوها ووعوها وعملوا بها وحرصوا عليها حرصهم على القران غير انهم لم يدونوها
كما دونوا القران اكتفاء بحفظهم لها في صدورهم , وامتثالا لنهي
النبي (صلى الله عليه وسلم )
عن كتابة غير القران خشية اختلاطه به والتباسه فيه فقد صح عنه انه قال : (لا تكتبوا عني شيئا الا القران ومن كتب عني شيئا غير القران فليمحه )(1)
وقد استمرو على ذلك طيلة حياة النبي (صلى الله عليه وسلم )فلم يدونها ما عدا من اذن لهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بتدوين ما ارادوا تدوينه منها , كابي شاه اليمني (2) وعبد الله بن
عمرو بن العاص (3) وغيرهما ممن امن التباسهم بالقران الكريم وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) وجد من الصحابة (رضي الله عنهم )من استجاز لنفسه كتابة ما اراد كتابته منها ايمانا منهم بان المانع من كتابتها قد زال بعد تمام نزول القران واكتمال تدوينه وامن التباسه بغيره , الا ان كتاباتهم لا تعدو كونها كتابات شخصية لاحاديث او موضوعات معينة لم تخرج بها السنة من مرحلة التدوين الشخصي الخاص الى مرحلة التدوين العام , اذ بقي جمهور الصحابة (رضي الله عنهم )يعتمدون في نقل السنة وتداولها
على الحفظ والرواية الشفهية كما كانو في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) اعتزاز منهم بحملها , وتنافسا في شرف حفظها , وعدم حاجتهم الى تدوينها , وقد استمر اعتمادهم
في نقلها على الحفظ والرواية الى عهد كبار التابعين الذين سارو على ما سار عليه الصحابة من عدم تدوينها والاكتفاء بحفظها وروايتها شفاها لمن يروم حملها منهم , وبعد هذا العهد كان الاسلام قد ازداد انتشارا وعمت انوار هديه الافاق , ودخل فيه الكثير ممن لا يجيدون العربية وتفرق رواة السنة وحفاظها في البلاد المفتوحة , واسرع الموت الى الكثير منهم مع وجود بعض الفتن وظهور الوضع وشيوع الابتداع وخمول الاذهان وكلال الافهام وبعد الاسناد عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فأصبحت الحاجة ماسة لجمعها وتدوينها تدوينا عاما شاملا بحفظها من الضياع وبصونها من العبث والتزيد والاختلاق.
وكان ممن ادركوا تلك الحاجة العالم العامل والخليفة العادل : عمر بن عبد العزيز , الذي ولي الخلافة سنة (99ه) وتوفي سنة (101ه) وكان معروفا بغيرته على الاسلام وتعاليمه وحرصه الشديد على رعاية كتاب الله تعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) حيث كتب على راس المائه الاولى للهجرة الى عماله على الامصار ومنهم عامله على المدينة :
ابو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الانصاري , يأمرهم بكتابة السنة ومما جاء في كتابه
قوله : انظر ما كان من حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فاكتبه فاني خفت دروس العلم وذهاب العلماء (1) وفي رواية ان انظروا حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم )فاكتتبوه فاني خفت دروس العلم وذهاب اهله (2)
وكان من بين من كتب اليهم عمر بن عبد العزيز الامام محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري (124 ه) . الذي كان موضع ثقة عمر بن عبد العزيز ومحل تقديره لما كان بينهما من علائق المودة والزماله العلمية, فقام ابن شهاب من فوره بما كلف وجمع السنن
في دفاتر وبعث بها لعمر بن عبد العزيز ووزعها عمر بدوره على الامصار الاسلامية (1) . وكان ابن شهاب فيما يظهر اول من ارسل ما جمعه من السنة الى : عمر بن عبد العزيز , لذلك اعتبره اول من دون السنة بأمر : عمر بن عبد العزيز (2) .
وبعد هذا الامر سارع الكثير من العلماء الى جمع ما تيسر لديهم من السنن وتدوينها ، واخذ التدوين يتسع مع الايام حتى شاع وظهرت طلائع التصنيف على الابواب في النصف الاول من القرن الثاني الهجري على يد كثير من مشاهير علماء الامصار من تلاميذ الامام الزهري وغيرهم امثال :عبد الملك بن جريح (150ه)بمكة ومعمر بن راشد(153ه)باليمن ,وسعيد بن ابي عروبة (156ه)والربيع بن صبيح (160ه)بالبصرة ,وسفيان الثوري (161ه)بالكوفة ,وعبد الرحمن بن عمرو الاوزعي(157ه)بالشام ,ومالك بن انس (179ه) بالمدينة المنورة .
وكان المصنفون في هذا القرن يجمعون في مصنفاتهم بين ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم )وبين ما روي عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وكانو
على هذا الى ان جاء القرن الثالث الهجري الذي ازدهرت فيه حركة التدوين والتأليف ازدهارا عظيما حيث دونت فيه اغلب كتب السنة المعتمدة , في طليعتها : الكتب الستة ومسند الامام احمد
وبرز فيه الائمة المشهورين والنقاد المعتبرون الذين اسهموا في جمع السنة وتصنيفها وتنقيحها و كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين , وعلي المدني وابي خثيمة زهير بن حرب وابي بكر بن ابي شيبة , واحمد بن صالح المصري , والبخاري والذهني , وابي حاتم وابي زرعة الرازيين , ومسلم بن الحجاج وغيرهم . كما ظهر فيه الميل الى الاقتصار في التأليف على ما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم )وكان ذلك على يد الامامين الجليلين البخاري ومسلم
ولم يكد ينتهي القرن الثالث حتى كانت السنة قد تم تصنيفها في الكتب والمسانيد بعد ان كان قد تم جمعها وتدوينها من قبل كما راينا , فكان هذا القرن بحق : قرن ازدهار السنة النبوية , او عصرها الذهبي كما يقولون , وبانتهائه دخلت السنة دور التهذيب والتنسيق والشرح والتعليق , وكان كل من اتى بعده عيالا على اهله يأخذون من كتبهم ويعتمدون على نقدهم الا قليلا منهم . والى جانب ما حظيت به السنة من عناية , وما بذل في خدمتها من جهود تبعث على الثقة والاعتزاز , حظي ما يتصل بها وبرواتها من ابحاث وعلوم بالعناية ايضا , حيث اهتم بها العلماء اهتمامهم بالسنة , ودونوها تدوينهم لها , فكان منهم من دونها مه ما دون من السنة : كمسلم , الذي اورد في مقدمة صحيحة مجموعة نافعة من ابحاث علوم الحديث : والترمذي , الذي ختم سننه بالحديث عن العلل
, بينهم من افرادها بالتأليف : كالبخاري والنسائي وابن ابي حاتم وغيرهم ممن الفوا في الرجال , وعلي بن المديني وابي حاتم الرازي وغيرهما ممن الفو في العلل , والنضر بن شميل وابي عبيد القاسم بن سلام وغيرهما ممن الفوا في غريب الحديث وابن قتيبة وابن جرير الطبري وغيرهما ممن الفو في مختلف الحديث , واستمر التأليف في ابحاث علوم السنة على هذا الى ان ظهرت المحاولة الاولى لجمع ما امكن جمعه من هذه الابحاث في مؤلف واحد على يد القاضي ابي محمد الرامهرمزي (360 ه) في كتابه الذي سماه : المحدث الفاصل بين الراوي والواعي , ثم تلاه ابو عبد الله الحاكم النيسابوري (405 ه)في كتابة الموسوم بمعرفة علوم الحديث , والخطيب البغدادي
(463 ه) في كتابيه : الكفاية في علم الرواية , والجامع لأخلاق الراوي وادأب السامع ,
والقاضي عياض (544 ه) في كتابة : الالماع في اصول السماع , وهكذا استمر التأليف فيها على هذا النحو الى ان توج بكتاب الحافظ : تقي الدين ابي عمرو عثمان بن الصلاح (643 ه)المعروف بمقدمة ابن الصلاح , الذي جمع فيه ما تفرق في غيره من كتب الخطيب وغيرهما فعكف عليه العلماء كما قيل :بين ناظم له ومقتصر ,ومستدرك عليه ومختصر ,ومعارض له ومنتصر ,فنتج عن ذلك ظهور اكثر الكتب المعروفة اليوم في علوم الحديث ,كما سميت :بمصطلح الحديث , وهو اشيع اسمائها واكثرها مناسبة , لشموله لكل ما يتعلق بالسنة من مصطلح وتدوين واحوال رجال وغير ذلك مما له علاقة بها وبرواتها . وبالله التوفيق
مدرس المادة
ا.م.د. محمد عطشان المعموري