وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة ديالى
كلية التربية الاساسية
قسم التاريخ
المادة: تاريخ العراق الاجتماعي أ.م.د.قحطان حميد كاظم
drqahatanhamed@yahoo.com. ////// drqahatanhamed@gmail.com.
|
المحاضرة الاولى: تركيبة العراق الاجتماعية منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى نهاية العهد الملكي .
أولاً: توزيع السكان(التركيب السكاني): ونعني بالتركيب السكاني توزيع السكان في المجتمع بحسب فئات تتميز بصفات عمرية وجنسية واجتماعية ودينية وقومية فضلاً عن جميع الخصائص التي يتسم بها المجتمع إذ ان معرفة هذا النوع من التوزيع السكاني يعطي مؤشراً ودلالات واضحة حول بعض الظواهر الاجتماعية الثابتة والمتطورة مثل دراسة العوامل الاجتماعية أو الصحية التي تؤثر على معدلات الولادات والوفيات والهجرة الداخلية والخارجية وما شابه.وعلى سبيل المثال كان توزيع نفوس العراق حسب الجنس عام 1947 (2,257,345)من الذكور و(2,558,840)من الاناث بينما كان تعداد الذكور في عام 1957 يساوي(3,155,049)وكان تعداد الاناث يساوي (3,143,927).
أما انماط الحياة الاجتماعية فيمكن تعريفها بأنها مجموعة من العادات والاعراف تمثل اسلوب عيش أفراد المجتمع، وقد قسمت انماط الحياة الاجتماعية في العراق في العهد الملكي الى ثلاثة انماط هي:
1.نمط الحية البدوية: يقوم هذا النمط على الحس القبلي(العصبية القبلية)الذي يؤكد على التضحية من أجل القبيلة وقيمها وأعرافها ونسبها وعادات الايثار في حالة الجدب التي تمر بها المراعي الصحراوية. لذلك تكون العلاقة الاجتماعية بين افراد القبيلة الواحدة متضامنة ومتكافلة في وظائفها الاجتماعية ويكون الحس القبلي مبنياً على النسب الابوي حيث تكون تسمية ابناء المجتمع البدوي آخذة بنسب الاب وليس بنسب الام، كما أن المكانة الاجتماعية للفرد البدوي تمثل هرماً متدرجاً يبدأ برئيس القبيلة ويقل شأن المكانة الاجتماعية كلما ابتعد المركز عن نسب رئيس القبيلة. فضلاً عن ذلك فان البدوي يخضع في مناشطه اليومية للأعراف والسنن الاجتماعية والقضائية غير المكتوبة ويقوم بالإشراف على تنفيذ الاعراف والسنن القضائية اشخاص معروفون في القبيلة وعادة يكونون من كبار القبيلة سناً ومكانة ومروءة واكثرهم حفظاً لتراث القبيلة.
2.نمط الحياة الريفية: من أبرز سمات هذا النمط هو الغرس والزرع الذي كان الدافع الاساسي في ارتباط ابناء الريف بأرضهم إذ كانوا يزرعون الحنطة والشعير والذرة والدخن والرز والقطن والخضراوات..، مما جعل الفرد الريفي ألصق بمكانه من غيره من أصحاب الاراضي حيث جعلت منه شخصاً ذا علاقة بمغروساته مما ولد له علاقة بالملك والحكومة والتزامه بدفع الضرائب الزراعية للدولة وخضوعه لتنظيم رسمي في حياته اليومية داخل القرية، وهذه هي الخطوة الاولى لتحضر الفرد البدوي العراقي. كما أن من سمات هذا النمط استقرار السكن وانعدام روح الغزو وتربية المواشي وخضوع أفراده الى القوانين الرسمية المدونة أكثر من خضوعه للأعراف البدوية غير المدونة وأصبحت المكانة الاجتماعية للفرد في الريف مرتبطة بملكيتهم ودخلهم، ومرد ذلك يرجع الى اتصال أبناء الريف بالمحيط الخارجي والى الاساليب التجارية الجديدة التي ظهرت في السوق العراقية والى ارتباط القرية العراقية بالمدينة أكثر من ارتباطها بالبادية وهذا أدى بدوره الى وقوع القرية تحت تأثير الجذب لحاجات وطلبات المدينة العراقية مثل احتياج اهل المدن الى منتجات القرية من منتجات زراعية وحيوانية وأيدي عاملة أكثر من تأثير القرية بمؤثرات البادية.
أما الفئات(الجماعات)التي يتكون منها مجتمع الريف العراقي فهي ما يلي:
أ.جماعة الملاكين: وتشمل أصحاب الاراضي والاملاك والمواشي والاغنام وهذا ما يعطيهم نفوذاً اجتماعياً عالياً للسيطرة على الفلاحين.
ب.جماعة السراكيل والوكلاء: وهم مساعدو الملاكين في إدارة أملاكهم وايصال أوامرهم وتعليماتهم الادارية والزراعية الى الفلاحين والعمال الحرفيين وتمثيل سلطة الملاك امامهم.
ج.جماعة العمال الحرفيين: وهم الافراد الذين يمتهنون حرفاً يدوية وتكون داخل بيوتهم ويشتغل جميع اعضاء الاسرة الكبيرة بهذه المهنة لذلك تكون مهنهم موروثة عندهم.
د.جماعة الفلاحين: وهم المستخدمون من قبل الملاك للقيام بزرع أرضهم لقاء نسبة معينة من انتاجهم الزراعي او لقاء عمل لصالح الملاك لفترة زمنية معينة ودفع ضرائب لهم لقاء رعي مواشيهم واغنامهم على أرضه. ويكون نظام تقسيم العمل المعتمد في نمط الحياة الريفية مقاماً على أساس الجنس أيضاً كما هو الحال في النمط البدوي. ومما تجدر الاشارة اليه أن الحياة في القرية العراقية على انواع فهناك من يسكن الاكواخ المصنوعة من الطين وهم على الاكثر من القبائل نصف المتحضرة كما أن هناك من يسكن قرى كبيرة تقرب طرق معيشتها من المدن ويتراوح عدد سكان القرية الواحدة بين (50) نسمة الى(5000)أو أكثر أو قد تكون القرية زراعية بحتة أو قد تكون فيها بعض المرافق التجارية ومن القرى ما هي أسواق للعشائر يشترون منها حاجاتهم ويبيعون فيها حاصلاتهم فهي أشبه بمدن تجارية صغيرة منها بقرى زراعية.
3.نمط الحياة الحضرية(المدن):يتميز هذا النمط بضعف العلاقة القبلية بين أفراد مجتمع المدن العراقية مما أدى الى بروز الاتجاه الرسمي في بعض أوجه حياته اليومية بحيث استخدم الفرد المديني-الحضري منطقاً وتفكيراً بعيداً عن التعصب القبلي في حل مشكلاته المدنية فضلاً عن انتمائه الى تنظيمات اجتماعية رسمية كالمدرسة والجامعة والحزب السياسي والنقابة العمالية والجمعيات الخيرية يزاد على ذلك انتمائه الى تنظيمات غير رسمية كالعائلة الممتدة والجماعة القرابية والجيرة وبذلك لم تبق الاسرة كما كانت في المرحلة البدوية أو الريفية محافظة على وظائفها الاجتماعية في تقديم الخدمات كافة والمساعدة لأبنائها بل ظهرت تنظيمات اجتماعية مساعدة في انجاز عملية التنشئة الاجتماعية.
أما نظام تقسيم العمل في المدن العراقية فلم يعد مبنياً على الجنس(رجالاً ونساء)بل أصبح مبنياً على أساس التخصص والانجاز أي أن المعلم لا يستطيع أن يكون معلماً ما لم يكن حاصلاً على شهادة متخصصة في التعليم أو أن الطبيب لا يمكن أن يكون طبيباً ما لم يكن متخرجاً من كلية الطب أو أن الضابط لا يمكن أن يكون ضابطاً ما لم يكن حاصلاً على شهادة من الكلية العسكرية..
وكانت وظائف وأعمال أبناء المدن منحصرة في التجارة والصناعة والوظائف الحكومية وبعض المهن الحرة وكانت اكثر المدن العراقية هي مراكز تجارية لتوزيع البضائع على الاقسام المجاوروة لها وهي في الوقت نفسه اسواق للمواد الزراعية والمصنوعات والحيوانات التي تأتي من القرى للبيع لسكان المدن أو لتصديرها الى الخارج فالمدن من هذه الوجهة مراكز للتجارة الخارجية للعراق. وعلى الرغم من اختلاف نمط الحياة الحضرية عن حياة البداوة والريف احتضنت المدينة بعض الظواهر الريفية والبدوية اكسبتها غلافاً مدنياً مثل “الجيرة” والتي تعني بيوت عديدة في حي واحد يعيشون فيها عوائل ذات صلة قرابية في بعض الاحيان او صلة القرب المكاني في السكن فيفرض ذلك على ابناء المنطقة زيارات مستمرة ولقاءات عديدة في مناسبات اجتماعية ودينية داخل الحي وعندما يقع احد ابناء الحي بمشكلة معينة مادية او معنوية ينتخي له ابناء الحي وهذا يمثل قيم الشهامة والنجدة.
ثانياً: الهجرة من الريف الى المدينة
برزت ظاهرة هجرة ابناء الريف الى المدينة بعد الاستقلال الوطني للعراق ،وهناك نوعين من العوامل أدت الى تبلور ظاهرة هجرة ابناء الريف من القرية الى المدينة وهي كالآتي:
1.العوامل الدافعة: وهي عوامل دافعة من داخل القرية وتتمثل بالآتي:
أ.قلة ايراد الارض غير المناسب مع الحاجات المتطورة.
ب.تردي الحالة المعاشية وانحطاط الوضع الاقتصادي في الريف.
ج.ظهور الملكيات الكبيرة بعد عام 1932 وادارتها من قبل الاقطاعيين شيوخ العشائر وغيرهم حيث أصبح الفلاح العراقي أجيراً في أرض لا ينتفع منها سوى المحصول على ما يسد رمقه ورمق أفراد عائلته.
د.نمو عدد الفلاحين وزيادتهم بنسبة لا تتماشى مع زيادة الارض الزراعية بحيث أدى الى انخفاض الاجور وسهل على الاقطاعي التحكم بها.
هـ.الهبوط العام في اسعار الحبوب في العالم الذي كان جزءاً من الوضع الاقتصادي العالمي المتردي في نهاية العقد الثالث وفي بداية العقد الرابع من القرن العشرين.
و.رفع الضرائب الحكومية على المحاصيل الزراعية.
ز.ابتزاز الشيوخ للفلاحين والتضييق عليهم بحجة هذه الضرائب المرتفعة.
ح. استئجار الشيوخ وبعض المدنيين المتنفذين مقاطعات تابعة للدولة الى حد كبير لاسيّما في لواء العمارة.
2.العوامل الجاذبة: وهي عوامل من داخل المدينة جذبت ابناء الريف الى المدن وهي:
أ.مغريات المدينة من فرص عمل ووسائل ترفيهية ومباهج الحياة المتمدنة.
ب.تجنيد الحكومة في عقدي الثلاثينيات والاربعينيات اعداد كبيرة من المتطوعين الشباب في مؤسستي الجيش والشرطة وكانت هذه الاجراءات الحكومية فرصة حياة جديدة مملوءة بالامور المثيرة والمتعة والكسب إذا ما قورنت بالحياة البرمائية لرجال الاهوار.
ج.إن النساء والرجال من أهل الاهوار وجدوا العمل في المدن كحمالين وحراس ليليين وعمال بناء وخدم عمل مريح للغاية.
أما آثار هذه الظاهرة الاجتماعية على المجتمع العراقي في تلك الفترة فهي تنقسم الى قسمين:
القسم الاول: الاثار على المجتمع الريفي:
أ.فقدان المجتمع الريفي أنشط عناصره وهم الشباب مما ادى الى خلل في بناء المجتمع الريفي.
ب.هبوط في كمية الانتاج الزراعي.
القسم الثاني: الاثار على المجتمع الحضري:
أ. مزاحمة سكان المدن في اعمالهم لأن المهاجرين من الريف الى المدن يشتغلون بأجور زهيدة لا يقبل بها ابن المدينة نظراً للبون الشاسع بين حياة الاثنين.
ب. إن المدن العراقية لا تقوى على تحمل اكثر من طاقتها لأنها ليست مدناً صناعية أو أن فيها مشاريع صناعية تقبل الالوف من النازحين من الريف.
ج. مضاعفة وتعقيد مشكلة الفقر في المدينة فضلاً عن تعقد المشكلة الصحية لازدحام السكان وسوء حالة القسم الاعظم من المهاجرين الاجتماعية وتعقد الهجرة.
أما أبرز مظاهر التمدن في نمط العيش الحضري فهي كالآتي:
1.ازدياد استعمال الوسائل الكمالية كالسيارة والادوات الكهربائية والاثاث العصرية وأواني المائدة الصينية والفضية واستعمال المجوهرات والراديو والتلفزيون.
2.تشييد فنادق عصرية واقتباس الطراز الغربي الحديث في بناء البيوت.
3.ازدياد المدارس واقبال البنين والبنات عليها.
4.انتشار الجرائد والازدياد المطرد في عدد قرائها وكثرة دخول المجلات والكتب الاجنبية الى العراق من الخارج لاسيّما المصرية والسورية وبدرجة اقل الاوربية والامريكية.
5.تأسيس النوادي الاجتماعية والاقبال عليها من ابناء المدينة المتعلمين والمثقفين والمتحضرين.
6.بناء دور للسينما والاقبال عليها.