جامعة ديالى
كلية التربية الأساسية
قسم التاريخ
المحاضرة بعنوان
سياسة الخليفة معاوية تجاه عمليات الفتوح والتحرير
تاريخ الدولة العربية الأسلامية في العصر الأموي
المرحلة الثانية
الفصل الدراسي الثانـي
2014 / 2015
م . م
وئام عاصم أسماعيل
سياسية معاوية تجاه عمليات الفتوح والتحرير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد الحقبة التي نحن بصدد دراستها وهي الحقبة التي اعتلى فيها معاوية بن ابي سفيان مقاليد الحكم في الدولة العربية الاسلامية في العصر الاموي مرحلة انجازات عسكرية واعمال جهادية ذات اهمية كبيرة أذ توغل العرب المسلمين في الشرق والغرب وسيرت الجيوش في البر والبحر بعد الفتور الذي اصاب العمليات الجهادية نتيجة الاحداث الداخلية التي شغلت الدولة في العصر الراشدي أبان خلافة الأمام علي ( علية السلام ) فقد اضطرت الظروف معاوية اثناء ولايتة على الشام ان يعقد هدنة مع البيزنطيين تعهد فيها ان يدفع مبلغا من المال قدرة الف دينار في كل شهر ليأمن جانبهم ، لان الظروف التي تحيط بها لا تسمح لة بمهاجمتهم او على الاقل الدفاع ضدهم , وان استلامة مقاليد الخلافة عام 41 هـ يتطلب امر تثبيت اركان خلافتة ثم يتفرغ بعدها الى العمل الخارجي مما اضطر الى عقد صلح جديد مع الروم عام 41 هـ .
امتدت عمليات الفتح والتحرير في الدولة العربية الاسلامية في عهد معاوية لتشمل عدة جبهات تمثلت بجبهة الروم البيزنطينيين ( الجبهة الغربية ) و(الجبهة الشرقية ) و( جبهة شمال افريقية ) .
أ ـ جبهة الروم البيزنطينيين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ان استقر معاوية من توطيد اركان خلافتة بعد ان دانت لة اقاليم الدولة في المشرق والمغرب على حد سواء حتى ادرك ضرورة استئناف الفتوحات من جديد وقد حضي التفكير بذلك ضد البيزنطينين باهتمام كبير وان معاوية قد وضع البيزنطنيين الذين قارعهم في شرق البحر المتوسط اثناء ولايته على الشام من قبل وانتزع منهم بعض الجزر لا يمكن ان يهدأ لهم بال الا وبمهاجمة المسلمين.
لقد ارسى معاوية بن ابي سفيان في ايام ولايته على الشام دعائم اسلوب دفاعي متين الذي كان لة الاثر على نجاح المهمات الخاصة ضد البيزنطينيين وتمثل هذا النظام بتقوية السواحل وترسيم الحصون وترتيب المقاتلة فيها ومنح الاقطاعات والاراضي لمن يرغب في السكن فيها ، واصبحت هذة الحصون والسواحل قواعد بحرية لان الناس بدأوا ينتقلون اليها من كل ناحية وعرفت هذة الحصون فيما بعد بنظام الثغور وهو نظام استلزمتة طبيعة الحدود التي تفصل الدولة العربية الاسلامية عن الروم البيزنطينيين والتي تتكون من سلاسل جبلية عالية تتخللها وديان او ممرات فكان لابد من السيطرة على هذة الممرات التي يتسرب من خلالها الخطر البيزنطي تجاه حدود الدولة .
وتقسم الثغورالبرية الى ثلاثة اقسام الثغور الشامية وهي طرطوس واذنة والمصيصة وعين زربه والكنيسة الهارونية وبانياس ونقابلس ثم يلي هذة الثغور عن يمينها وشمالها الثغور الجزرية وهي مرعش وثغر الحدث وزبطرة وكيسوم ثم ثغر ملطية اما الثغور البحرية وهي سواحل جند حمص انطرسون وبانياس واللأذقية وسواحل جند دمشق عرفة وطرابلس وبيروت وصيدا وسواحل مصر ورفح والعريش .
كانت مناطق الثغور خالية من رعايا الروم البيزنطينيين الذين اضظروا الى اخلائها منذ تحرير الشام فنزلها بعض القبائل العربيةمنذ خلافة عثمان بن عفان ( رضي الله عنة ) مثل بني تميم الذين انزلوا الرابية ، اذ انزل معاوية قوما من بعلبك وحمص الى سواحل الاردن وصيدا سنة 42 هـ كما نقل عناصر تعرف بالزلط والسيابجه وبعد ذلك اصبحت هذة الثغور اماكن مرابطة لجابهة العدو وسموا سكان هذة الثغور بالمرابطة الى جانب خروج حملات عسكرية سنوية على بلاد الروم صيفا وشتاء وكان هدف هذة الحملات هو السيطرة على بعض حصون العدو ولعل اهم هذة الحصون التي استولى عليها العرب المسلمون في عهد معاوية هو حصن ملطية ، ثم بدأ اسلوب الصوافي والشواتي في خلافة معاوية سنة 43 هـ .
يبدو ان حملات الصوافي والشواتي ضد الروم البيزنطينيين كانت تسير وفق نظام دقيق قد اعد لة فكان يبدأ من اليوم العاشر من ايار بعد ان يكون الناس قد ربطوا دوابهم واحسنت احوال خيولهم فيقيمون ثلاثون يوما وهي بقية ايام ايار وعشرة من حزيران .
اما الشواتي فانها تقع بين ايام شباط واذار وتستغرق عشرين ليلة .
لم يكتف معاوية بتوجيه الحملات السريعة والمنتظمة المتمثلة بالصوافي والشواتي وانما اتخذ اجراءات اخرى في محاولة للسيطرة على القسطنطينية عاصمة دولة الروم البيزنطينيين بعد توتر الاوضاع الداخلية عند الروم نتيجة اعتلاه عرش الروم خلال تلك الفترة قسطنطين الرابع الذي كان صغير السن بعد مقتل ابية قنسطائز الثاني فضلا عن ان احد قادة الروم يسمى الامبراطور سابور الذي تغلب على ارمينية واعلن تعاونة مع معاوية حيث ارسل رسولا يطلب فية النجدة . ويبدو ان انفصال سابور وتمرد كان له تاثير كبير على الاوضاع الداخلية للبيزنطينيين .
ان المحاولة التي قام بها معاوية لدك اسوار القسطنطينية سنة 49 هـ كانت حملة موفقة وناجحة حيث بلغت القسطنطينية بقيادة مجموعة من الصحابة منهم ابو ايوب الانصاري وعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير وكان القتال شديدا بينهما وقد توفى ابو ايوب عند اسوار القسطنطينية . كما شنت حملات بحرية جريئة وناجحة على بعض الجزر المهمة في البحر المتوسط والتي كان يسيطر عليها الروم البيزنطينيين فقد تمكنت حملة بحرية بقيادة جنادة بن امية الازدي من السيطرة على جزيرة رودس سنة 53 هـ ودعوة العرب المسلمين الى الاستقرار فيها التي شلت النشاط البحري البيزنطي في البحر المتوسط من خلال اعتراض السفن العربية المتواجدة في هذة الجزيرة لسفن العدو التي اخافت العدو البيزنطي .
كانت الدولة البيزنطية تطمح لانهاء حالة الحرب مع الدولة العربية الاسلامية اذ ارسلت الى دمشق رجلا يدعى ( يوحنا ) من اشهر رجال سياستها واكثرهم ذكاء وحنكة فحضر هذا الرجل الى جلسات ضمت ابناء البيت الاموي وابدى فيها من اجلال للدولة العربية الاسلامية ما اكسبة تقدير الخليفة معاوية واحترامة فنجحت مفاوضاتة في عقد عقد صلح بين الطرفين امدة ثلاثون سنة ورغم هذا الصلح فقد غلب على العلاقات بين الطرفين خلال هذة الحقبة الطابع الحربي .الى جانب ظهور نوع من العلاقات السلمية تخللها عقد معاهدات ومواثيق بين الطرفين كما تبادلت الرسل ايضا من قبل خلافة معاوية وفي اثناء ولايتة ايضا .
ب ـ الجبهة الشرقية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توالت حملات العرب المسلمين باتجاه المشرق حتى بلغت اقاليم جديدة فعندما ولى معاوية عبدالله بن عامر بن كريز على البصرة استعمل عبد الرحمن بن سمرة على سجستان فقدمها مع مجموعة من كبار القادة سنة 42 هـ امثال عمر بن عبدالله التميمي والمهلب بن ابي صفرة حتى بلغ عبد الرحمن كابل وحاصرها اشهر حتى دخلها ببشارة الفتح عبدالله بن معمر والمهلب بن ابي صفرة ثم اخذ يسير فاتحا مدنا اخرى كزابلستان والرخج ، ويبدو ان سيطرة على هذة المدن كانت غير محكمة او مستقرة اذ كانت تخرج من ايدي المسلمين تارة وتعود اليهم تارة اخرى .
اما بلاد السند فقد ارسل معاوية سنة 44 هـ المهلب بن ابي صفرة فسار الى بنه والاحواز وهما في سفح جبل كابل واصطدم بقوة تركية من بلاد القيقان ورغم تغلبة عليها فانة لم يحقق الهدف المرسوم . وفي سنة 45 هـ بعث ابي عامر عبدالله بن سوار العبدي فافتتح القيقان وغنم غنائم كثيرة حيث وفد الى معاوية واهدى الية خيلا قيقانية واقام عندة ثم رجع الى قيقان وقتل من قبل الترك سنة 47 هـ . ثم كتب معاوية الى زياد ( انظر رجلا يصلح لثغر الهند فوجهة ) فوجه زياد سنان بن مسلمة الهذلي وقد فتح مكران عنوة واقام فيها وضبط البلاد .
وتمكن العرب المسلمين في عهد معاوية بن ابي سفيان من العبور الى بلاد ماوراء النهر حيث تمكن عبيد الله بن زياد الذي ولاة معاوية خراسان من قيادة جيشا عدتة 24 الف من عرب خراسان الى بلاد ماوراء النهر ودخل بخارى وعقد صلحا مع حاكمها .
ج ـ جبهة شمال افريقية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما استقرت خلافة معاوية بن ابي سفيان حتى ادرك ان استئناف عمليات الفتح والتحرير واستكمال العمليات الجهادية نحو افريقية امرا في غاية الاهمية فاسند هذة المهمة الى معاوية بن حديج السكوني وامرة بمواصلة عمليات الفتح والتحرير نحو افريقية بعد ان زودة بجيش مكون من عشرة الاف مقاتل مع بعض الصحابة والتابعين وكان ذلك في سنة 45 هـ اذ تمكن ابن حديج من دخول افريقية بالقوة محررامناطق مهمة من جبل القرن وجبل مسطور ثم رجع الى جلولاء ففتحها وارسل الغنائم الى معاوية بالشام ثم ان معاوية بن ابي سفيان اعان معاوية بن ابي حديج بجيش جديد من الشام ومصر وكان معة عبد الملك بن مروان الذي وصل افريقية واحتفر الابار ودخل بنزرت وعنم غنائم كثيرة من نواحيها ثم رجع الى قمونية ثم بنى مساكن سماها القيروان وبعدها رحل بن حديج الى معاوية ودفع الغنائم الية .
اما القائد عقبة بن نافع الفهري الذي اسند الية الخليفة امر افريقية سنة 50 هـ بعد معاوية بن ابي حديج وكان اختيار عقبة بن نافع الفهري لقيادة عمليات الفتح والتحرير في افريقية كان اختيارا موفقا لرجل عاش بالقرب من افريقية .
وكانت ولايتة للمغرب العربي حدا فاصلا بين عهدين الاول بدأ بجهود عمرو بن العاص سنة 22 هـ وانتهى بولاية ابن حديج سنة 47 هـ وهي الفترة التي اطلق عليها فترة الاستكشافات .
زحفت قوات عقبة بن نافع لتبدأ مرحلة جديدة من عمليات الفتح التحرير تجاه المغرب وكانت عدة جيشة حوالي عشرة الاف مقاتل فضلا عن قوات اخرى مرابطة في مدينة برقة تضم اعدادا كبيرة من البربر الذين حسن اسلامهم وتوثقت طاعاتهم ، وتمكنت هذة القوات من اخضاع بعض المناطق التي سبق اخضاعها في فترة ابن حديج مثل قفصة .
وفي سنة 55 هـ عزل عقبة بن نافع عن ولاية افريقية وعين ابو المهاجر دينار واليا عليها بعد ان جمع معاوية بن ابي سفيان ولاية المغرب لمسلمة بن مخلد .
ومن الاعمال الجهادية التي تشير اليها المصادر التاريخية لابي المهاجر فهي الحملة التي قادها سنة 59 هـ ضد البيزنطينين لاستخلاص مدينة قرطاجنة من ايديهم حيث استمرت القوات العربية الاسلامية في حصارها وتسديد ضرباتها العنيفة تجاههم مما اجبر الروم البيزنطي على طلب الصلح وتوقيع معاهدة تنازلوا بموجبها عن جزيرة شريك والمناطق القريبة منها مقابل فك الحصار عن مدينة قرطاجنة .