مادة اوربا في القرن العشرين
قسم التاريخ
المرحلة الثالثة
المحاضرة الاولى
القاء المدرس المساعد : احمد محمد جاسم الدايني
الحرب العالمية الأولى (1914_1918)
أسباب الحرب العالمية الأولي
تعدَ الحرب العالمية الأولى من ابرز الإحداثوأخطرها في تاريخ الشعوب والأمم (حتى ذلك الوقت) إذ كانت عالمية واشتركت فيها دول تنتمي لقارات مختلفة رغم إن أوربا كانت المسرح الرئيسي لمعاركها الضارية ،ألا إن نتائجها الكبرى انعكست على شعوب جميع القارات بشكل أوبأخر، لم تشهد البشرية في الماضي مثل هذه الحرب فقد استخدمت فيها احدث الأسلحة المتطورة في ذلك الوقت وكرست طاقات بشرية هائلة قدرت بأكثر من 65مليون مجند تحولوا إلى وقود لمعاركها التي دارت في البر والبحر و الجو مما الحق دمار ليس في الأرواح فقط وإنما بعصارة حضارات قرون سالفة من الجهد البشري وفضلا عن ذلك فان الأطراف المتحاربة كرست المقدرة الإنتاجية لصناعاتها الثقيلة وسخرت كل علومها لاستحداث وسائل وطرق جديدة للتدمير .
كانت هذه الحرب اكبر حرب استعمارية توسعية تمخضت عن التناقضات التي كانت تمزق الدول الكبرى والتي تبلورتأخيراً في جبهتين أساسيتين همـــا الجبهة التي عرفت تاريخياً بدول الوفاق الودي الحلفاء وكانت تضم فرنسا، بريطانيا و روسيا وانضمت أليها مجموعة من الدول الأخرىحوالي 32 دولة حركتها في ذلك عدة عوامل ، وإما الجبهة الثانية فقد عرفت بدول الوسط وكانت تضم كل من ألمانيا، إمبراطورية النمسا – المجر، الدولة العثمانية و بلغاريا. لتوضيح الإبعاد الحقيقية والعوامل التي قادت إلى هذه الماسات البشرية الكبرى الإعطاء صورة واضحة عن كيفية تكوين الجبهتين المذكورتينلابد من استعراض الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الأولى .
(1) التغير والتخلخل الذي طرا على ميزان القوى ولاسيما الاقتصادية منها
برزت دول جديدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مثل الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و ألمانيا وايطاليا والتي لم تكن في قائمة الدول المنتجة مثل بريطانيا التي تربعت على مركز الصدارة في الإنتاج الصناعي على الصعيد العالمي لمدة طويلة من الزمن ، بينما قبل إن ينتهي القرن التاسع عشر احتلت الولايات المتحدة الأمريكية مكانتها وتبعتها ألمانيا وثم فرنسا ،ومما ساعد على تقدم ألمانيا الصناعي على سبيل المثال وفرة كميات الفحم و الحديد وخاصة بعد انتزاعها مقاطعتي الالزس واللورين من فرنسا بعد حرب السبعين ، لقد ضمــن توحيد ألمانيا ( الوحدة الألمانية كانت عام 1870)التفوق لها في توزيع منتجاتها الصناعية في أسواقأوربا الوسطى وبدأت المنتجات الألمانية تزاحم المنتجات البريطانية في العديد من الدول مثل بلجيكيا وهولندا بل أنهابدأت تدخل السوق البريطاني وكذلك امتدت المنتجات الألمانية إلى بلدان غير أوربية مثل الدولة العثمانية وبلدان أمريكا اللاتينية وهكذا فان التجارة البريطانية التي كانت تصدر 23% من تجارة العالم في العام 1880 انكمشت إلى 12% قبيل الحرب العالمية بعام مما أدى ذلك إلى تعميق الصراع بين الدولتين ،وبفضل السياسة الاقتصادية التي اتبعتها ألمانيا في هندسة التخطيط الصناعي والاهتمام بطرق النقل وتوسيع الموانئ وتسهيل رسو السفن أصبحت البحرية الألمانية بعد عام 1900 اقوي قوة بحرية في العالم بعد بريطانيا .
(2)الصراع حول المستعمرات
لقد كان الاستيلاء علىالمستعمرات عامل من عوامل الصراع بين الدول التي تطورت حديثا كألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان والتي كانت تمتلك حصصا قليلة ولا تتناسب مع تطوراتها وإمكانياتها مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا اللواتي كن يملكن إمبراطوريات استعمارية واسعة وكانت هذه الدول محافظة على أوضاعها ومقاومة لأياتجاه توسعي تقوم به الدول الجديدة التي بأمسألجاجة إلى المواد الأوليةلإدامة تطورها وبحاجة إلى أسواق لتصريف بضائعها وكانت مصممة على يجاد مناطق نفوذ جديدة حتى لو أدى ذلك إلى اصطدام مسلح و نشوب الحروب وفي الحقيقة فان هذا الطموح الاستعماري هو احد الأسباب الرئيسية لنشوب الحرب كما إن رغبة الدول الأوربية للحصول على المزيد من الثروة عن طريق تامين الأسواق الخارجية للفائض من إنتاجها تحولت إلى سبب مهم لتنافسها عل المستعمرات وعلى الطرق المؤدية إليها، لقد كانت ألمانيا من أكثر الدول نشاطا في ميدان العمل من اجل السيادةوإعادة تقسيم مناطق النفوذ في العالم وبمقتضى هذه السياسة كان حكام ألمانيا يبحثون عن مكان لدولتهم تحت الشمسفعملوا على صياغة الفكرة الأساسية الاستعمارية على النحو التالي ( إن ألمانيا امتازت بقوتها، وسعة اقتصادها ونمو سكانها ولذا فان الألمان لهم الحق في حصة تتناسب مع أهميتها عند تقسيم الأراضي وإعادة تقسيم مناطق النفوذ في العالم ).
ملاحظات عامة / في العام 1860 بدأت الحرب الأهلية الأمريكية وفي العام 1865 انتهت وفي العام 1866 توحدت ايطاليا وقد بدأت الثورة الصناعية منذ مطلع القرن التاسع عشر في بريطانيا ثم بعد ذلك انتقلت إلى أوربا .
(3) سياسة إقامة الأحلاف الدولية
تعدَ سياسة إقامةالأحلاف والتكتلات الدولية نقطة البداية في تقسيم كبريات الدول الأوربية إلى معسكرات متعادية وأخذت كل مجموعة تنظر بعين الشك وريبة إلى المجموعة الأخرى الأمر الذي كان يدفعها إلى العمل على تقوية وتطوير قواتها البرية والبحرية وبالتالي فان هذه التحالفات دفعت الدول الكبرى إلى أتون حرب وبالطبع كانت تختفي وراء تكتل الدول الكبرى في محورين متناقضين عوامل سياسية كانت واضحة منذ البداية بسبب تأزم العلاقات الفرنسية الألمانية كلاً حسب مصالحه .
لقد كانت التناقضات بين الألمان وفرنسا جدية منذ الحرب البروسية الفرنسية سنة 1870-1871 بسبب استيلاء ألمانيا على مقاطعتي الالزاس واللورين الفرنسيتين الغنيتين بالفحم والحديد وكانت سنة 1872 بداية مرحلة حاسمة عقدت فيها تحالفات عديدة بين أطراف مختلفة المصالح والأهدافأهم هذه التحالفات:
أولاً /عصبة الأباطرة الثلاثة ( 1872-1887 ): عقد هذا التحالف في برلين بين كل من إمبراطورألمانيا وليم الأول وقيصر روسيا لاسكندر الثاني إمبراطور النمسا جوزيف الثالث وكان الهدف الأساسي للتحالف هو للمحافظة على الأوضاع السياسية القائمة في الإمبراطوريات الثلاثة ومقاومة الأفكار الثورية التي تهدد أنظمة الحكم القائمة في هذه الدول وتم عقد هذا الحلف برعاية مباشرة من المستشار الألماني اوتو فون بسمارك vonBismarck Otto.
ثانياً /التحالفالثنائي الألماني النمساوي ( 1879 ) :عقــــــــد بيــــــن ألمانياوإمبراطورية النمسا _ المجر في 7 تشرين الأول1879 لمدة خمسة أعوام قابلة للتجديد نصت على إن آي اعتداء على احدهما معناه اعتداء عليهما معاًوإذا ما هاجمت روسيا ( النمسا أو ألمانيا ) فيجب إن تعلن الثانية الحرب على روسيا ويعتبر هذا التحالف عامل أساسي في أوربالأنه ثبت محور ألمانيا النمسا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى .
ثالثاً /الحلف الفرنسي الروسي ( 1891-1894) : ضلت فرنسا بعيدة عن سياسة التحالفات الأوربية إذ تمكن بسمارك من تطويقها على الصعيد الخارجي ولكن لم يكن بوسع هذه العزلة المفروضة إن تستمر طويلاً في ظل الأوضاع الدولية القائمة في ذلك الوقت فقد عقدت فرنسا حلفاً مع روسيا يقضي بمساعدة الأخيرة لفرنسا إذا هاجمتها ألمانياأو النمسا .
يضاف إلى ذلك الكثير من التحالفات التي سيطرة على المشهد الأوربي التي كان لها الأثر الكبير في زيادة الانقسام بين الدول الأوربية ومنها التحالف الثلاثي عام 1882 الذي عقد بين ألمانيا والنمسا _ المجر وايطالياكان الهدف منه عزل فرنسا أولاً وفرض هيمنة ألمانيا وسيطرتها على المشهد الأوربي ثانياً , وكذلك معاهدة إعادةالتأميم عام 1887 وذلك بعد انتهاء عصبة الأباطرة الثلاثة حل محلها التحالف الثنائي بين روسيا وألمانيا وعرف فيما بعد بمعاهدة إعادة التأميم ومن ابرز التحالفات التـي كـان لهــــــــــا دور فــي انقســــــــــــــــام القارة الأوربية هـــو الاتفاق الودي 1904-1907، فبدأت بريطانيا تتحسس من الخطر الألماني وعلى اثر ذلك بدأت تتقرب لكل من فرنسا وروسيا وفي العام 1904 وقعت اتفاقية مع فرنسا لتسوية الخلافات وفي العام 1907 وقعت بريطانيا اتفاقية مع روسيا حلت الدولتان بموجبها معظم خلافاتهما في أسيا , لاسيما ما يتعلق بإيران .
- نمو الروح العسكرية
يتصل هذا العامل اتصالاً وثيقاً بالعامل السابق وذلك لان كل دولة أوربية كبرى بدأت تعمل منفردة لرفع مستوى قدراتها العسكرية بصورة تحول دون تفوق غيرها عليها , وقد تمخض عن هذا الوضع اتجاهين مؤثرين :
الأول :إصرار الدول المتصارعة على الاحتفاظ بجيوشها وأساطيلها , وما يتبعه من مراقبة الخطوط باقي الأطراف أيإنشاء شبكات تجسس وما يرافق ذلك من نفقات واسعة مما يعني ضغطاً على ميزانية تلك الدول .
الثاني : قيام فئة من العسكريين بالسيطرة على مقاليد الحكم ومن ثم توجيهها ضمن الإطار العسكري .
- تصادم المصالح الاقتصادية
بعد الثورة الصناعية بدأت الدول المتقدمة تبحث عن نشاط اقتصادي اكبر من الذي تملكه فبدأ السباق فيما بينها للحصول على الأسواق لتصريف منتجاتها وللحصول على المواد الأولية والخامات واستثمار المواد و الأموال الفائضة , وازداد التهافت على إيجاد مخارج للفائض من السكان والتشدد في استغلال الأراضي المستعمرة واستنزاف خاماتها وثرواتها ، تبع ذلك ظهور طبقة جديدة من الرأسماليين الكبار اقتضت مصالحهم في استثمار البلدان المتأخرة التي تحتاج إلى مد سكك الحديد فيها أوأنشاء المصارف وغير ذلك , من هنا كان الاندفاع السياسي الذي انعكس في تنافس الدول الأوربية لتوسيع ممتلكاتها في ما وراء البحار لدعم نفوذها السياسي وإنشاءإمبراطوريات ترضي غرورها القومي وهذا ما قاد إلى تشديد الصراع الأوربي ومن ثم تهديد السلام العالمي في أوربا وباقي مناطق العالم .
يضاف إلى تلك الأسباب التي ذكرت أعلاه يمكن إن نقول إن الدعاية والإعلام ونمو الروح القومية والانفصالية كان لها دوراً مهماً في إشعال الحرب العالمية الأولى .
السبب المباشر للحرب
كان السبب المباشر للحرب العالمية الأولى اغتيال ولي عهد النمسا _المجر الارشيدوق فردينلند وزوجته في مدينة سراييفو عاصمة البوسنة وذلك في 28 حزيران 1914 على يد غابريلو برنسيب احد أعضاء منظمة اليد السوداء الصربية Black Handالتي كانت تهدف إلى العمل من اجل الوحدة الصربية , لقد جاء هذا الحادث ليعمق التناقضات بين الدول وليضع الاتفاقات الدولية والمحالفات على محك الواقع العملي , كانت النمسا تعلم جيداً بان الحرب مع صربيا تؤدي إلى تدخل روسيا لذا فأنها وجهت إلى حكومة صربيا إنذاراً شديد اللهجة بالاتفاق مع ألمانيا , قضى بتسليم الجناة الذين قاموا بقتل الارشيدوق , فتح تحقيق يضم محققين نمساويين إلى جانب لجنة التحقيق الصربية،إلغاء جميع التنظيمات العسكريةالسرية التي كانت تدعو إلى فكرة قيام دولة صربيا الكبرى وتعادي النمسا وان رفض أي بند من هذه الشروط يعني رفضاً لشروط الإنذار، منحت صربيا مهلة 48 ساعة للرد على هذه الشروط تنتهي عند الساعة التاسعة من مساء 25 تموز ، وافقت صربيا على جميع هذه الشروط ماعدا السماح للمحققين النمساويين للمشاركة في عملية التحقيق لأنه يشكك في نزهة القضاء الصربي رأت الحكومة النمساوية إن هذا الرد يعني رفض صربيا للإنذار وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع صربيا وأعلنت النمسا التعبئة العسكرية الجزئية ثم أعلنت الحرب على صربيا وفي اليوم للذي بدأت فيه النمسا العمليات العسكرية ضد صربيا أكدت الحكومة الروسية على أنها لان تتخلى عن حليفتها صربيا وطالبت النمسا بإيقاف عملياتها العسكرية واللجوء إلى التحكيم وكانت روسيا تدرك أنها أذا تخلت عن دعم صربيا وإسنادهافإنها سوف تفقد كل الاعتبارات لدى الشعوب الأخرى ولاسيما الصديقة منها مما يؤدي إلى تقوية قبضة النمسا على منطقتي الدانوب والبلقان ثم أعلنت التعبئة الجزئية يوم 28 تموز إماألمانيا فقد أعلنت في يوم 29 تموز من العام نفسهبأنها سوف تعلن التعبئة العامة إذا لم تقدم الحكومة الروسية على إلغاء التعبئة الجزئية فكان قرار روسيا إعلان التعبئة العامة يوم 30 تموز بدلاً من التعبئة الجزئية فأجابت ألمانيا على قرار روسيا هذا بأنها وجهت إنذار في31تموز إلى روسيا ثم أعلنت التعبئة العامة والحرب على روسيا في 1 آب 1914 وأعلنت فرنسا التعبئة العامة تأييداً لحليفتها روسيا , أما بريطانيا رفضت التعبئة العامة وأعلنتبأنها غير ملزمة بتقديم المساعدة العسكرية لفرنسا الأمر الذي دفع ألمانيا إلى تسريع إعطاء الأوامر إلى جيوشها في 2 آب للتوجه لاحتلال فرنسا عبر بلجيكا على الرغم من حياد الأخيرة ، كان إقدام القوات الألمانية على خرق حياد بلجيكا قد ترك ردود فعل قوية لدى الرأي العام البريطاني الذي رأى في خرق سيادة دولة مجاورة محايدة من قبل دولة كبرى تهديدا لبلادهم الذي تقضي مصلحتها عدم السماح لألمانياأوأي دولة أخرى زعزعة أسس التوازن الدولي فما كان من الحكومة البريطانية ألا إن عـــدلت عــن موقفها وسارعت إلى مشاركة حليفتها علناً في 4 آب 1914وبهذا الطريقة تكون الدول الأوربية التي شاركت بالحرب خلال أيام من اندلاعها هي فرنسا , روسيا , بريطانيا و صربيا ثم انضمت ايطاليا إليهم بعد توقيعها على معاهدة لندن السرية في 26 نيسان 1915 ثم دخلت الحرب بعد شهر من توقيعها المعاهدة وهكذا تكونت جبهة الوفاق الودي،أما جبهة الدول الوسط فكانت ألمانيا , النمسا _المجر ,وانضمتإليهم فيما بعد الدولة العثمانية في 29 تشرين الأول 1914 وبعد ذلك بلغاريا وهكذا توافقت المصالح في النزاع متعددالجوانبومتشعب وهو الحرب العالمية الأولى التي كانت حرباً توسعية لمجموعتين على حد سواء لذلك فان المسؤولية تقع على الجميع فيما يتعلق بويلات الحرب وان كانت ألمانيا التي بدأت فيها .
مراحل الحرب العالمية الأولى
- دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقف حيادي وبقى موقفها الرسمي هذا حتى 6 نيسان 1917 بعده اتخذت قرارها بالدخول إلى الحرب ضد ألمانيا إلى جانب دول الوفاق الودي أماالأسباب التي أدت بالولايات المتحدة إلى اتخاذ الموقف المحايد هذا فهي :
- أ-تأثيرات مبدأ مونرو 1823 : إن هذا المبدأ قد إعلان عنه الرئيس الأمريكي جيمس مونروالمعروف بخبرته الطويلة في الشؤون الدولية في 2 أيلول 1823والذي يؤكد فيه على سياسة العزلة وعدم التدخل في الشؤون الأوربية وعدم التدخل الأوربي في دول أمريكا ألاتينية .
- ب-طبيعة تكوين الشعب الأمريكي فهو مزيج من شعوب أوربا بشكل خاص وشعوب العالم بشكل عام فخشيت الحكومة الأمريكية من انقسام الشعب الأمريكي إلى فئات تساند هذا التحالف أو ذاك .
- ت-المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة فالأوساط الاقتصادية كانت ترى في الحرب فرصة لا تعوض لتطوير اقتصاديات الولايات المتحدة وجعلها الدولة المسيطرة , لان أكثر الدول الأوربية حولت مصانعها للإنتاج الحربي مما أدى بالولايات المتحدة إلى مضاعفة إنتاجها الذي هيمن بسرعة على الأسواق الأوربية وبنفس الوقت تحولت الولايات المتحدة إلى المصدر الرئيسي لتمويل عدد كبير من الدول المتحاربة للقروض المالية ، إن سياسة الولايات المتحدة هذه كانت تعتمد ضد الانتصار الكامل لأي من الجانبين المتحالفين وهدفها كان إضعاف واستنزاف كلا الطرفين لان الانتصار الكامل لأي منهما كان يعني إن الطرف المنتصر لن يكتفي بالسيطرة على أوربا فحسب , أنما سيعني السيطرة على العالم إلا إن الحكومة الأمريكية غيرت موقفها وبشكل مفاجئ وأصبحت طرفاً مباشراً في الحرب الدائرة إذ إن الانتصارات التي حققتها ألمانيا أدت إلى تزايد غرورها إلى درجة أنها أقدمت على ارتكاب أخطاء سياسية كبيرة تجاه الولايات المتحدة التي أصبحت تتوقع في أي وقت إعلان ألمانيا الحرب عليها , وفعلاً دفع بها ذلك الغرور مع استيائها الشديد من التعاون الاقتصادي الواسع بين دول الوفاق والولايات المتحدة إلى إعلان حرب غواصات مدمرة في 24 آذار 1916وبذلك كانت ألمانيا تريد السيطرة على المحيطات ،لكن بعد فترة وجيزة أوقفت هذه الحرب ،وفي كانون الثاني 1917عادت ألمانيا إلى حرب الغواصات فحشدت حوالي مائة غواصة بالقرب من الشواطئ البريطانية وكانت تهدف من ذلك القضاء على القوة البريطانية في البحار عن طريق منع المواد الأولية والعسكرية عنها مما أثار استياء الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان الألمان يعلمون إن هذه الخطوة سوف تدفع بالولايات المتحدة إلى الحرب وفعلاً هذا ما حصل عندماأغرقت الغواصات الألمانية سفينة أمريكية في عرض البحر مما دفع الرئيس الأمريكي ودرو ولسن إلى إرسال مذكرة احتجاج إلى ألمانيا مهددا بقطع العلاقات الدبلوماسية في حالة استمرار حـــــرب الغواصات وبالفعل أقدم الرئيس ولسن في 3 شباط 1917 على قطع العلاقات الدبلوماسية ثم طلب في 26 من شباط من الكونجرسالأمريكي((هوالبرلمان الأمريكي أي السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية ويتكون من مجلسين الأول مجلس الشيوخ والثاني مجلس النواب )) السماح له بتسليح البواخر التجارية الأمريكية لتمكينها من الدفاع عن نفسها في حالة تعرضها للاعتداء وبالإضافة إلى ذلك فان موقف ألمانيا من حرب الغواصات أثار الرأي العام ضدها ودفع السلطات الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات رادعة لحماية مصالحها وديونها التي بلغت المليارات من الدولارات التي أقرضتها إلى دول الوفاق الودي , ومن العوامل الأخرى التي دفعت الولايات المتحدة للدخول في الحرب هو ثورة روسيا الاشتراكية ثم انسحاب الأخيرة من جبهة دول الوفاق الأمر الذي زاد من مخاوف السياسيينالأمريكيين من رجحان الميزان لصالح دول الوسط , وأخيراً تم اكتشاف المخطط الألماني الرامي إلى دفع المكسيك للهجوم على الولايات المتحدة لإعلان الحــــرب علـى ألمانيا أولاً وعلى حلفائها فيما بعدحيث أشيع عن اكتشاف ما سمي ببرقية زيمرمانZimmerman وزير خارجية ألمانيا التي أرسلها إلى المكسيك لغرض التآمر على الولايات المتحدة ، وفي 6 نيسان 1917 صادق الكونجرس الأمريكي على إعلان الحرب ضد ألمانيا على اثرإغراق الغواصات الألمانية لبعض السفن الأمريكية وهكذا وضعت تحت تصرف دول الوفاق الودي إمكانيات أغنى دولة في العالم واكبرالأقطار إنتاجاً للصناعات الحربية والغذائية ، فتحولت بذلك كفة الميزان إلى دول الوفاق بعد الانتصارات التي حققتها القوات الألمانية في جبهات القتال الغربي في بداية الحرب .
(2) الثورة الروسية عام 1917 وأثرها على مسيرة الحرب
لم يكن بوسع الثورة الروسية التي قادها البلاشفةBolshavks في 25 تشرين الأول 1917 حسب التقويم الروسي القديم الذي يوافق 7 تشرين الثاني 1917 بالتقويم الميلادي ،إلا إن تؤثر على مجرى الحرب , فبعد يوم واحد من انتصار الثورة نشرت السلطة الجديدة مرسوم السلام الذي دعا إلى وضع نهاية للحرب وأكد على انسحاب روسيا منها , وجاء مرسوم السلام على شكل نداء موجه إلى جميع الشعوب والدول المتحاربة يدعوهم إلى الدخول فوراً في مفاوضات من اجل تحقيق سلام عادل دون الاستيلاء على أراضي الغير ودون سيطرة دولة على غيرها ودون تعويضات أي صلح يؤمن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها , ثم أقدمت السلطة الجديدة على نشر جميع المعاهدات السرية التي عقدتها الحكومة الروسية مع بريطانيا وفرنسا وايطاليا واعتبرتها لاغيه مما شكل ضربة قوية وجهت إلى الدبلوماسية الاستعمارية ولدعامة الدول الكبرى لكونها قد نبهت كافة الشعوب من الخداع التي تمارسها الدعاية الفرنسية والبريطانية من اجل تصوير دول الوفاق وكأنها تشن حرب عادلة دون إن تستهدف من ورائها الحصول على مغنم ، رفضت دول الوفاق الودي الاقتراح الروسي فاضطرت روسيا إلى عقد معاهدة منفردة مع ألمانيا في 15 كانون الأول 1917 وكانت هذه مقدمة لصالح بريست ليتوفسيك PrestLitovicففي 27 كانون الثاني 1918بدأت في مدينة بريست ليتوفسك الروسية مفاوضات السلام بين روسيا وألمانيا ورجعت روسيا أثنائها إلى دول الوفاق الودي التي لم تغير موقفها فاضطرت هي إلى التوقيع على معاهدة الصلح في 3 آذار 1918 وذلك لأجل الحفاظ على الثورة والتوجه للبناء وأعلنت الحكومة الروسية بأنها توقع شروط المعاهدة التي فرضت عليها من قبل دولة أقوى منها في المرحلة الحاضرة ولذلك فأنها ترفض إن تناقش شروطها ألان , وتلخصت وجهة النظر الروسية في ضرورة قبول شروط الصلح لأنه في حالة الاستمرار في رفض هذه الشروط فان الحكومة الألمانية ستلجأ إلى فرضها بالقوة ولم يكن بإمكان روسيا إن تقاوم الضغط الألماني لأنه قد يؤدي ذلك إلى خنق الثورة في مهدها من هنا كانت السلطة الروسية تفضل إن تفقد جزء من أراضيها طبقاًلمعاهدة بريست ليتوفسك مقابل الحفاظ على الثورة ,وفي هذا الصلح فقدت روسيا مساحات شاسعة من أراضيها , وعده الكثير من الروس صلحاً مذلاً حتى إن فلاديميرلينينVladimir Lenin(( زعيم الثورة البلشفية وموقع الصلح )) رآه عاراً وذلاً, ولكن كان لابد منه حتى يتمكن من توطيد أركان ثورته وقال قولته الشهيرة” نتراجع خطوة إلى الخلف على أمل إن نتقدم خطوتين إلى الأمام ” وفعلاً سيتمكن الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية من استعادة جميع الأراضي التي فقدها في صلح بريست ليتوفسك ، لقد كان من الطبيعي إن يترك انسحاب روسيا من الحرب أثراً مباشراً على جبهة دول الوفاق الودي ولاسيما على الجبهة الشرقية التي حدثت فيها ثغرة لصالح ألمانيا , ولكن جبهة دول الوسط سرعان ما انهارت .
استسلام ألمانيا وحليفاتها
في الوقت الذي توالت في الضربات على ألمانيا وتراجعت جيوشها في معارك الجبهة الغربية , كان حلفائها يخرجون من الحرب الواحد بعد الأخر فلم تتمكن بلغاريا من صد تقدم جيوش الوفاق لأنها كانت تعاني من أزمة اقتصادية أجبرتها على توقيع معاهدة صلح في 29 أيلول 1918 أملت فيها دول الوفاق شروطها وبعدها تمكن الجيش البريطاني من تحطيم الجيش العثماني في فلسطين وســــوريا والعراق وأفــــريقيا مما اجبرها بالتالي علـــى توقيـــع هدنة مودروس في 30 تشرين الأول 1918 والتي أملى فيها البريطانيون شروطهم القاسية على الدولة العثمانية ،أما إمبراطورية النمسا_ المجر فوقعت تحت ضغط المد الثوري بين سكانها وضربات التحرر القومي للشعوب المضطهدة الخاضعة لها فالعديد منها كونت سلطاتها القومية الخاصة بها فانهارت الإمبراطورية وقامت على أنقاضها دولة قومية مستقلة ، وقد شنت ايطاليا هجومها الأخير في منطقة ترانت وترستن ضمن منطقة الجيش النمساوي الذي كان في حالة انهيار تام مما اضطر القيادة النمساوية إلى إيقاف القتال وبالتالي توقيع اتفاقية الهدنة في 3 تشرين الثاني 1918 ،أما ألمانيا فان قيادتها لم تتخل عن سياسة المغامرة فقررت في 30 تشرين الأول توجيه غارة بحرية على الأسطول البريطاني لكن البحارة الألمان في كيل قاموا بانتفاضة شملت الأسطول كله ومن ثم تحولت إلى بداية للثورة في عموم ألمانيا حيث تألفت مجالس للعمال والجنود وأعلنت الجمهورية وفر القيصر الألماني وليم الثاني إلى هولندا وتألفت حكومة مؤقتةيرأسهاايبرت طلبت الهدنة من دول الوفاق وأملى الجنرال الفرنسي فوش قائد الوفاق من 11تشرين الثاني 1918 شروط الهدنة مع ألمانيا التي قبلت بموجبها إن تتخلى دفعة واحدة كل الأراضي التي استولت عليها وان يتم الانسحاب خلال 15 يوم من جميع الأقاليم في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج وكذلك المناطق الألمانية الواقعة على الضفة اليسرى من نهر الراين وسحب قواتها من تركيا ورومانيا والنمسا_المجر ومن مستعمراتها في شرق أفريقياأما فيما تعلق بالمناطق الروسية التي احتلها الألمان فقد قرر الحلفاء بقاء القوات الألمانية فيها لحين تغير الأوضاع الداخلية في تلك المناطق , فضلاً على ذلك أصبح على ألمانيا بموجب الهدنة أن تسلم لدول الوفاق طائراتها ومدافعها مع أعداد كبيرة من عربات السكة الحديد والناقلات والقسم الأكبر من أسطولها البحري .
نتائج الحرب العالمية الأولى
يمكن إن نلخص نتائج الحرب العالمية الأولى بما يلي :
- 1-أدت الحرب إلى سقوط إمبراطوريات كبيرة هي النمسا_المجر وألمانيا وإمبراطورية العثمانية .
- 2-حدث تبدل جذري في النظام السياسي الدولي وذلك نتيجة للتطورات التي حدثت لميزان القوى , فالولايات المتحدة بدأت تزاحم الدول الأوربية بصورة جدية في جميع الميادين السياسية والاقتصادية ، كما برزت قوى في أوربا الشرقية متمثلة بروسيا التي قامت فيها أول دولة اشتراكية , وظهرت اليابان قوى نامية في الشرق الأقصى لها وزنها في عالم ما بعد الحرب .
- 3-أعيد تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ حصلت فيها الدول المنتصرة على حصة الأسد .
- 4-أدت الحرب العالمية إلى خسائر بشرية هائلة قدرت 9,5 مليون قتيل و210 مليونجريح . فضلاً عن خسائرها الاقتصادية التي بلغت 400 مليار دولار ، هذا بغض النظرعن المعانات الإنسانية ، وتدمير أجزاء كبيرة من أوربا وتأثيرها على الأوضاع والمعنويات العامة .
- 5-لعبت الحرب العالمية الأولى دوراً بارزاً في تعميق الوعي القومي للشعوب التي كانت خاضعة للسيطرة الأجنبية مما أدى إلى حصول الكثير من الدول على استقلالها السياسي .
مؤتمر السلام في باريس
يعدً مؤتمر السلام الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس في العام 1919 من المؤتمرات الدولية الهامة إذ قدر له إن يعيد رسم الحدود السياسية لعالم ما بعد الحرب ,وقد حضره مندوبون عن 27 دولة يمثلون الدول المنتصرة والمتحالفة معها , ولم تمثل فيه الدول المهزومة وحلفائها ولا النظام الجديد في روسيا , ولكن دعي ممثلين عن الدول المهزومة فقط للتوقيع على معاهدات السلام افتتح المؤتمر في 18 كانون الثاني 1919 في قصر فرساي بحضور كبار الشخصيات العالمية من بينهم الرئيس الأمريكي ودرو ولسن , ولويد جورج رئيس وزراء بريطانيا , وفيتوريو اورلاندو رئيس وزراء ايطاليا , وجورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا , وكيموجي نجي مستشار إمبراطور اليابان وغيرهم ، قسمت أعمال المؤتمر على مجلسين أطلق على الأول اسم الأربعة الكبار Big Fourوضم ولسن ولويد جورج وكليمنصو واورلاندو،أما المجلس الثاني فسمي مجلس العشرة Council of Tenوهم الأربعة الكبار ووزراء خارجيتهم وممثلين اثنين عن اليابان وسرعان ما ظهرت التناقضات والخلافات الحادة في المؤتمر إذ كان لكل وفد مصالحه وأطماعه الخاصة لاسيما بين وفود الأربعة الكبار , الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب أغنى وأقوى دولة حاولت الحفاظ على مركزها وحاولت مد نفوذها إلى بقية دول العالم بحجة إقامة علاقات جديدة أطلقت عليها نظام ما بعد الحرب ، وكان هدفها إقامة توازن بين دول أوربا والحيلولة دون بروز أي قوة يمكنها إن تقف بوجهها , وقد جاءت صياغة هذه السياسة ضمن ما عرف بنقاط الرئيس ولسن الأربعة عشر , والتي أطلقها في 8 كانون الثاني 1918 وتركزت على ما يلي :
- 1-وضع نهاية للدبلوماسية السرية وإبطالها .
- 2-حرية الملاحة في السلم والحرب .
- 3-إلغاء العقبات الاقتصادية والمساواة التجارية بين الأمم .
- 4-خفض التسلح على الصعيد الدولي لضمان الاستقرار .
- 5-إعادة النظر في مسالة المستعمرات .
- 6-النظر في المشكلة الروسية في إطار تقويم الدول الكبرى لها .
- 7-إخلاءالأراضي البلجيكية من جميع القوات الأجنبية المتواجدة فيها .
- 8-إعادة الالزاس واللورين إلى فرنسا .
- 9-تعديل الحدود الايطالية وفق مطالبها القومية .
10-يجب إن تحصل شعوب الإمبراطورية النمساوية – المجرية على حقوقها .
11- تخليتالأراضي الصربية والرومانية وأراضي الجبل الأسود , ومنح صربيا منفذاً على البحر .
12- القسم التركي من الدولة العثمانية يجب إن ينال السيادة التامة , إما الشعوب الأخرى الخاضعة لها فيجب إن تحصل على الحرية وحقوقها القومية في الحكم الذاتي , وفتح المضايق التركية أمام التجارة العالمية .
13- تكوين دولة بولندية مستقلة مع منفذ لها إلى البحر ( الممر البولندي ) وضمان استقلالها .
14- تأسيس منظمة دولية وفق ميثاق عالمي خاص يضمن هذا الميثاق استقلال الدول وسلامة أراضيها , وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية .
كانت هذه البنود تعبر في الواقع عن فرض الإرادة الأمريكية , ولذلك فإنها عارضت فيما بعد انتقال توابع الدول المهزومة إلى سيطرة بريطانيا وفرنسا ، في حين تلخصت أهداف فرنسا في المحافظة على مصالحها القومية وضمان تفوقها في القارة وإضعاف ألمانيا من خلال التعويضات واقتطاع مساحات منها ،أما بريطانيا فكانت أهدافها تتلخص بالمحافظة على النجاحات التي حققتها في المستعمرات , وتأكيد التوازن الدولي بشرط عدم إضعاف ألمانيا إلى الدرجة التي إرادتها فرنسا , أما ايطاليا فكانت تريد العمل باتفاقية لندن السرية التي أعطتها بعض المقاطعات , وكانت متلهفة للحصول على بعض مناطق النفوذ على حساب ألمانيا وحلفائها ،أما اليابان فان أهدافها كانت تتلخص في إن يعترف مؤتمر السلام بشرعية سيطرتها على المستعمرات الألمانية في الشرق الأقصى وقد دعمت بريطانيا مطالب اليابان لأنهاإرادتها إن تظهر دولة قوية تقف بوجه الولايات المتحدة وكان من الطبيعي انعكاس هذه التناقضات في اتجاهات الدول الكبرى ومصالحها على مقررات مؤتمر السلام .
معاهدات السلام
(1) معاهدة فرساي
وقعت المعاهدة في 28حزيران 1919 مع ألمانيا ، تألفت هذه المعاهدة من 200 صفحة و15 قسم و440 مادة , إضافة إلى 20 ملحق , وبموجب بنود هذه المعاهدة حملت ألمانيا مسؤولية اندلاع الحرب وعليها دفع التعويضات وشكلت لجنة لتحديد مقدارها وكيفية دفعها , ومنعت من بناء أو الاحتفاظ بايت تحصينات على ضفتي نهر الراين وبعمق لا يقل عن 50 كلم على جانبي النهر وعدت منطقة الراين منطقة محرمة ومنزوعة السلاح تسريح الجيش الألماني ويعاد تحجيمه على إن لا يتجاوز الحجم عن عشرة فرق عسكرية وان لا يزيد الحجم الكلي عن لجميع هذه الفرق عن 100,000 رجل , ومنعت ألمانيا من إنتاج أو استيراد أو تصدير الأسلحة ومنعت ألمانيا من استعمال بعض الأسلحة الثقيلة كالدبابات والمدافع والطائرات كما جرى تحديد الأسطول بما لا يزيد عن 30 قطعة , وألغيقانون التجنيد الإجباري في ألمانيا ،أعيدت مقاطعتي الالزاس واللورين إلى فرنسا ووضعت كذلك منطقة السار تحت إشراف فرنسا على إن يجري فيها استفتاء بعد 15 عام يقرر فيها سكانها مصيره , وبموجب بند آخرأجبرت ألمانيا على الاعتراف باستقلال النمسا وان تتعهد بان لا تقيم أي شكل من إشكال الاتحاد مع النمسا ألا بموافقة مجلس العصبة وبموجب هذه المعاهدة تقرر إعلان استقلال بولندا التي أعطيت منفذا على البحر ووضعت مدينة دانزك تحت أشراف عصبة الأمم على إن تقوم بولندا بإدارتها نيابة عن العصبة أما بالنسبة للمستعمرات الألمانية في إفريقيا فقد قسمت مستعمرتا توغو والكاميرون بين فرنسا وبلجيكا والبرتغال بينما أعطيت إلى اليابان بعض الجزر في المحيط الهادي وكذلك أعطيت بعض المقاطعات للصين واستراليا ونيوزلندا
(2)معاهدة سان جرمان مع النمسا
وقعت هذه المعاهدة في 10 أيلول 1919 وتضمنت اعتراف النمسا بمسؤوليتها في قيام الحرب , ومنعت من الاتحاد مع ألمانيا , وحددت قواتها بـ 30,000 جندي وثلاثة زوارق لمكافحة التهريب في نهر الدانوب وفرض عليها دفع الغرامة التي سيتم أقرارها، وحددت معالم النمسا الجديدة حيث تحولت إلى جمهورية صغيرة بلغ عدد سكانها 6 ملايين ونصف نسمة ( بعد كانت 30 مليون ) و مساحتها 32 ألف ميل
(3)معاهدة نوي
وقعت مع بلغاريا في 7 تشرين الثاني 1919 وقد نصت هذه المعاهدة على تحديد الجيش البلغاري بـ 20,000 ألف جندي وتحديد قواتها البحرية , وعلى قطع جزء كبير من أراضيهاوإعطائها إلى يوغسلافيا واليونان وكذلك ألزمت بدفع التعويضات .
(4)معاهدة تريانون مع المجر ( هنغاريا )
وقعت في 4 حزيران 1920 عقدت هذه المعاهدة في قصر تريانون بين دول الوفاق والمجر وحدد بموجبها مساحة المجر بعد إن فصلت عن النمسا كما حدد سكانها 8 ملايين نسمة وحدد جيشها وفرض عليها التعويضات , وتقرر فصل أجزاء منها وإعطائها إلى جيكوسلوفاكيا ورومانيا .
(5) معاهدة سيفر مع تركيا
عقدت في 10 آب 1920 ونصت هذه المعاهدة على جعل المضايق الدردنيل والبسفور مناطق معزولة السلاح تشرف عليها لجنة دولية تقرر إعطاء مناطق عديدة منها فضلاً عن منطقة أزمير المهمة إلى اليونان كما تقرر منح ايطاليا جزيرتين وإعلان استقلال أرمينيا في الجزء الشرقي من الأناضول،وإعطاء الحكم الذاتي لكردستان في حالة رغب سكانها بذلك وتقرر كذلك بموجب معاهدة سيفر تنازل الدولة العثمانية عن ممتلكاتها في مصر والحجاز وسوريا وفلسطين والعراق , ولم تفرض عليها اي غرامة حربية ولم يحدد جيشها , هذا وقد قوبلت المعاهدة بمعارضة شديدة خاصة من قبل الحكومة الوطنية التي قادها مصطفى كمال اتاتورك الذي تمكن من إلغائها واستبدالها بمعاهدة لوزان 1923 .والتي سوف نتطرق لها بشكل مفصل وأكثر دقة بالفصل السابع من هذا الملخص .
- معاهدة لوزان مع تركيا 1923 تقرر بموجب هذه المعاهدة
- 1-تتنازل الحكومة التركية عن الجزيرة العربية وسوريا والعراق وفلسطين والسودان وقبرص.
- 2-استعادة تركيا الكامل لسيادتها على ( اسطنبول ) وكذلك الاعتراف الكامل لتركيا بسيادتها على كل الأناضول ( تركيا الحالية ) .
- 3-تقرر إلغاء الامتيازات العسكرية في تركيا .
- 4-تقرر إن تكون المضايق حرة لكافة السفن ومنعت تركيا من إقامة قواعد عسكرية أو إقامة حصون على جوانب المضايق كما استعادت بعض الجزر التي منحت إلى اليونان . والتي سوف نتطرق لها بشكل مفصل وأكثر دقة بالفصل السابع من هذا الملخص .
هكذا أصبحت معاهدات السلام أساس للعلاقات الدولية التي سادت عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى في أطار مصالح الدول الأخرى لذلك فقد وجهت لها انتقادات عنيفة .
نقد معاهدات السلام
لقد وصف النقاد معاهدة فرساي والمعاهدات الأخرىبأنها تتحيز لجانب واحد وأنها طافحة بالاتفاقيات القلقة غير المكتملة وتحمل بذور الصراع في المستقبل وهي نابعة من الكراهية والانتقام ،أما المدافعين عنها فيصفونها بأنهاأفضل معاهدة يمكن إن تضع في ذلك الجو السياسي والنفسي الذي وجد فيه واضعو المعاهدة أنفسهم وعلى رغم من الهجوم العنيف الذي تعرض له مؤتمر باريس منذ يومه الأول إلا انه نجح في التوقيع معاهدة السلام مع العدو الأساسي ألمانيا خلال (6) أشهر ووقع مع الأعداء الآخرين خلال (8) أشهر على النقيض تام لما سوف يحدث في الحرب العالمية الثانية حيث لم تعقد أي معاهدة ألا بعد ما يزيد على (10) سنين ، لقد وضع مؤتمر باريس بعد اجتماعات اللجنة المختصة التي دامت (39) ساعة وجلستين للمؤتمر ميثاق عصبة الأمم بينما اقتضى تأليف منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عقد مؤتمر ضم أكثر من مائة ألف عضو اجتمعوا لمدة شهرين في مدينة سان فرانسيسكو .
عصبة الأمم
إن المهمة الخطيرة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى كانت وضع نظام دولي تلجأ أليه الدول لحل خصوماتها وقد وجدت عصبة الأمم لتحقيق حلم البشرية في استمرار العالم بدون حرب ظهرت فكرة العصبة لأول مرة عند الكاتب الايطالي الشهير دانتي في حدود العام 1308 ميلادي ، إذ قال إن الحروب الأوربية استنزفت الكثير من الخسائر البشرية والمادية ، ولأجل تلك الخسائر يجب أيجاد منظمة من شانها وضع حد لتلك الحروب . وكان الرئيس الأمريكي ولسن من اشد المتحمسين لإنشائها وقال عند عرضه لمشروع عصبة الأمم( إن الميثاق الذي نعرضه يقتضي إن تعتمد عقوباته على الشعور الخلقي وعلى عدم اللجوء إلى القوة ألا عند الضرورة القصوى ) وقد ظلت هذه الفكرة عالقة في ذهن ولسن ، وعندما ذهب إلى باريس لحضور مؤتمر السلام كان مصراً على إقامة المنظمة ، وما إن افتتح المؤتمر حتى اسند الرئيس ولسن لنفسه رئاسة اللجنة التيأوكلتإليها مهمة صياغة ميثاق لتلك المنظمة ، وقدمت هذه اللجنة مسودة ميثاق العصبة في 14 من شباط 1919 وتكونت من (26) مادة وعدت جزء لا يتجزأ من معاهدة فرساي.
أهداف ومبادئ عصبة الأمم
إن الأهداف الرئيسية لهذه المنظمة الدولية يمكن إيجازها بالتالي :
1ـ صيانة السلام والأمن الدوليين.
2ـ توثيق التعاون بين الدول وتنميته.
ومن اجل الوصول إلى هذه الأهداف رأت الدول التي وقعت على عهد العصبة أن تعمل ضمن المبادئ التالية :
1ـ عدم اللجوء إلى القوة من اجل حل القضايا الدولية .
2ـ احترام قواعد القانون الدولي .
3ـ احترام الالتزامات والعهود التي تنص عليها المعاهدات الدولية
4ـ قيام علاقات طيبة بين الدول على أساس العدل والشرف .
أما الدول التي وقعت على عهد العصبة فكان عددها 32 دولة ،ولكنها لم تنضم جميعها إلى المنظمة الدولية وذلك لأسباب داخلية مختلفة وهذه الدول عرفت بأسم الدول المؤسسة .إذ إن هنالك دولاً مدعوة للانضمام وعددها 13 انضمت جميعها في نيسان 1920 ، وحصرت عضوية العصبة في بداية الأمر بالدول المنتصرة في الحرب ، إما ألمانيا فلم تقبل كعضو إلا في العام 1926 ودخل العراق عضوية العصبة عام 1932 وروسيا عام 1934 ومصر وسوريا عام 1936.تتألف العصبة من :
1ـ الجمعية Assembly :وتمثل جميع الدول الأعضاء وقد خولت المنظمة الدول الأعضاء إن يمثل كل منها ثلاثة أشخاص علماً إن لكل وفد صوت واحد وله حق المناقشة والاقتراح وتداول ولكن ليس له حق التشريع .
2ـ المجلس Council: يتألف من (9) أعضاء (5) دائميين يمثلون دول بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة ،ايطاليا واليابان و(4) وقتيين تختارهم الجمعية دورياً من أعضاء الجمعية.
3ـ السكرتارية الدائمة Permanent Secretary: تتألف من عدد من الموظفين ويكون على رأسهم الأمين العام أو السكرتير العام وتكون مهمتهم جمع الحقائق والأرقام لتسجيل المعاهدات والقيام بالواجبات الأزمة عليهم وكان مقر الدائم لعصبة في جنيف ( سويسرا) وكان أولأمين عام لها هو البريطاني السير اريك براون ، وهناك منظمات أخرى ملحقة بالعصبة مثل المنظمة الفنية للاقتصاد والمالية واللجان الاستشارية مثل لجنة الانتداب .