محاضرة الدكتور خالد تركي عليوي فريح النداوي
حقوق الانسان في الحضارة العربية القديمة والحضارة الاسلامية:
حقوق الانسان لغتاً:
تعني الحق خلاف الباطل, والحق من اسماء الله تعالى او صفاته , فهو الموجود حقيقة , المتحقق وجوده والهيته ,وحققت قوله وظنه تحقيقاً, اي صدقت , وكلام محقق , اي رصين, والحقيقة ما يحقق على الرجل ان يحميه ,وفلان حامل الحقيقة, ويطلق الحق على( الموت ), في قوله تعالى {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} ., اي بمعنى الثبوت والوجوب.
الحق اصطلاحاً:
فقد وردت تعريفات كثيرة لمفهوم الحق منها: هو اختصاص يقرر به المشرع سلطة او تكليفاً, ويعد هذا التعريف تعريفاً جيداً لأنه يشمل انواع الحقوق الدينية كحق الله على عباده من صلاة وصيام ونحوها, والحقوق المدنية كحق التملك ,والحقوق الادبية كحق الطاعة للوالد على ولده ,وحق الزوج على زوجته , والحقوق العامة كحق الدولة في ولاء الرعية لها , والحقوق المالية كحق نفقة الزوج على زوجته , ونفقة الاب على اولاده, والابناء على الاباء في حالة الكبر في السن لقوله صلى الله علية وسلم(انت ومالك لا بيك) ,وتدخل في ذلك النفقة على الاخت والاخ, والحقوق غير المالية كحق الولاية على النفس (القاصر) ,وحق المساواة وخاصة المساواة امام القضاء , وقيام الحدود مثل قصة المرأة المخزومية السارقة وهي من اسياد قومها فلم يقبل رسول الله صلى الله علية وسلم الشفاعة لها فهذه مساواة بين الناس بلا تمييز,وحق الحرية فالإنسان منذ ولادته يولد حراً لا يملكه احد , وفي هذا يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنة) قولته المشهورة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً).
جذور حقوق الانسان وتطورها في تاريخ البشرية:
منذ ان ولد الانسان ولدت معه حقوقه ,لكن الوعي بهذه الحقوق والاعتراف بها ومن ثم التمتع بها اتخذ مسيرة طويلة في التاريخ البشري, وستبقى مسيرة حقوق الانسان مستمرة طالما وجد الانسان على هذه الارض ,وسيزداد الوعي بحقوق الانسان وسيتنامى الاهتمام بهذه الحقوق ونوعية هذه الحقوق مما يعني ولادة حقوق جديدة ,كما ينبغي ان ندرك ان حرمان الانسان من حقوقه امر لا يمكن استبعاده طالما ظل الظلم من شيم بعض النفوس البشرية .. لكن مسيرة حقوق الانسان في تاريخ البشرية حققت مكاسب كبيرة, ويعود الفضل في ذلك الى نضال الافراد والشعوب عبر التاريخ ضد الظلم والطغيان ,ولقد ساهمت الشرائع السماوية والحضارات القديمة في وضع بذور مسيرة حقوق الانسان منذ زمن بعيد, فكل الشرائع السماوية اولت الانسان وحقوقه الاهتمام الاول ,كما ان سمة جميع الحضارات هي الاحترام الذي توليه لكرامة الانسان وحريته , وجميع الديانات والتقاليد الثقافية تحتفل بهذه المثل , ومع ذلك فان هذه الحقوق قد انتهكت على مر التاريخ.
حقوق الانسان في الحضارات القديمة والشرائع السماوية :
اولاً: حقوق الانسان في الحضارات القديمة:-
تعتبر حضارات وادي الرافدين اقدم الحضارات البشرية واولها اهتماماً بحقوق الانسان, يقول الدكتور بهنام ابو الصوف في مقالته :” اقدم وثيقة لحقوق الانسان كانت سومرية :, ان القانون والعدالة والحرية كانت من اساسيات الفكر العراقي القديم ومنذ بدء التدوين في الالف الثالث قبل الميلاد,وكان العراقيون في مختلف عصورهم التاريخية ,سومرية كانت ام اكدية ,ام بابلية ,او اشورية يطالبون عاهلهم دوماً , باعتباره نائباً للإله ,بوضع قواعد وتطبيق اجراءات تضمن للجميع الحرية والعدالة الاجتماعية , والمساواة , وان كلمة حرية(اماركي), قد وردت في سومري لا قدموثيقة عرفها العالم القديم تشير صراحة الى اهمية حقوق الانسان وتأكيدها على حريته وبرفضها كل ما يناقض ذلك,فقد عثرت بعثة تنقيب فرنسية كانت تعمل في اطلال مدينة لكش في قضاء الشطرة (جنوب العراق),في عام (1878م),على مخطوط طيني مدون باللغة السومرية ,والخط المسماري يضم عدداً من الاصلاحات الاجتماعية التي وضعها العاهل السومري(اورو كاجينا),حاكم دولة مدينة لكش في حدود عام(2375 ق.م), للقضاء على المساوئ التي كان يتذمر منها شعب دولة مدينة لكش,وازالة المظالم والاستغلال الذي كان يقع على الفقراء من الاغنياء والمتنفذين,ورجال المعبد,وقد ورد نص في متن هذه الوثيقة يقول(بيت الفقير صار بجوار بيت الغني),دلالة على رغبة اورو كاجينا في تحقيق المساواة في مجتمع دولة مدينته, وقد قام بالفعل بوضع القوانين التي توفر للشعب الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة.
اذ بعد انقضاء الالف الرابع قبل الميلاد,وحينما نمت قرى العراق الاولى وصارت مدنا عامرة تعقدت فيها الحياة وتشابكت مصالح السكان والمعبد والكهنة ,كان لابد من تشريعات لحماية الفرد في المجتمع وتنظيم امور الحياة في الدولة المدنية فوضعت الاصلاحات الاجتماعية اعقبتها قوانين وشرائع , وفي جميعها كان للمرأة نصيب كبير .. فقد وضع الملك السومري اورو كاجينا حاكم سلالة لكش عدداً من الاصلاحات الاجتماعية لتنظيم حياة الاسرة والمحافظة على مكانة المرْأة واستقلاليتها في مجتمع المدينة السومرية .. وفي شريعة اورنمو مؤسس سلالة اور الثالثة السومرية (2113-2060ق.م),عدد من المواد القانونية تعالج حقوق المرأة غير المتزوجة ,والمرأة المتزوجة والمرأة المطلقة, ولم تغفل شريعة لبت – عشتار (خامس ملوك سلالة ايسن 1934-1924 ق.م),واشنونا المرأة وشؤونها العائلية , وتحتوي شريعة حمورابي (1792-1750 ق.م), الشهيرة على اكثر من (30) مادة قانونية (المواد 127-164), تعالج شؤون المرأة والاسرة من زواج وطلاق وارث وتبني ,وهناك العديد من رقم الطين مدونة بالخط المسماري لقوانين اشورية تتطرق في عدد من موادها الى حياة المرأة الاشورية , واخرى تعود للعصر البابلي الحديث(عصر نبوخذ نصر الثاني 605-562 ق.م), وهناك امثلة عديدة لما حوته تلك القوانين والشرائع من حقوق للمرأة وامتيازات تعد متقدمة في حينة كحق التعليم وادارة املاكها الخاصة بنفسها….الخ.
وكان للمرأة في العراق القديم الحق في ممارسة اعمال ومهن مختلفة والقيام بواجبات ضمنها لها المجتمع والقانون ,فقد شاركت نساء سومريات معروفات ازواجهن الامراء والحكام في الاشراف على شؤون الدولة وتصريف الامور المالية , وجمع الضرائب ,وتوزيع الارزاق وتراس الاحتفالات , وكان منهن كاهنات , كما شغلت نساء بارزات في المجتمع الاشوري مناصب كبيرة في الدولة, وهناك نص مسماري من القرن الثامن عشر قبل الميلاد يشير الى ان المرأة قد ساهمت مع هيئة من المحلفين امام مجلس للقضاء في مدينة نفر.
وتعتبر شريعة حمورابي العاهل البابلي التي اصدرها في السنة الثلاثين من حكمة الذي دام للفترة (1792-1750ق.م), اشهر القوانين التي اهتمت بحقوق الانسان بعد أعادته توحيد وادي الرافدين بدولة واحدة ,وقد استند حمورابي في شريعته الى ما كان سائداً من اعراف وقوانين سابقة لزمانه سواء كانت سومرية ام بابلية الا انه عمل على جمعها وتنقيتها وتعديلها لتلائم مجتمع الدولة الموحدة الجديدة الواسعة الارجاء, وقد دون حمورابي مواد شريعته على عدد من المسلات الحجرية ورقم الطين ووزعها على امهات مدن العراق القديم آنذاك مثل نفر واور والوركاء وسبار واشور اضافة الى بابل العاصمة.
تتألف شريعة حمورابي من (282) مادة قانونية مدونة باللغة البابلية والخط المسماري, وتنقسم الى ثلاثة اقسام رئيسية هي :المقدمة والمتن والخاتمة وينتهي قسمها الاعلى بنحت بارز للإله شمس اله العدل ,وامامه حمورابي واقف بخشوع.
واحتوت شريعة حمورابي بموادها المختلفة على قضايا تتعلق بالقضاء والشهود والسرقة والنهب وشؤون الجيش والزارعة والقروض ,كما ان هناك مواد عديدة تعالج الشؤون العائلية من زواج وطلاق وارث وتبني وتربية وكل ماله علاقة بحياة الاسرة ,وهناك مواد خاصة بالعقوبات والغرامات .
وفي المقدمة المطولة التي استهل بها حمورابي شريعته نتلمس بوضوح حرصة على سعادة المجتمع البابلي ورفاهيته وسيادة القانون والنظام وتأكيده على انصاف المظلوم وحماية حقوق الضعيف والايتام والارامل ورعاية الاجراء والضرب على ايدي المستغلين والمرتشين من الموظفين والجباة والامرين في الجيش(المواد 3-34 من شريعة حمورابي).
وبهذا يكون قدماء العراقيين قد سبقوا غيرهم من شعوب المنطقة بحوالي الف سنة ,في وضع الاصلاحات والقوانين التي تحفظ للفرد حريته وحقوقه وامنه , اذ لم تتعرف شعوب ايران على شيء من ذلك حتى مطلع القرن السادس قبل الميلاد , وبعد احتكاكهم المباشر بسكان وادي الرافدين ,كما لم تعرف مصر الفرعونية هذه الحقوق والممارسات الانسانية حتى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ,اذ كان فرعون مصر قبل ذلك يعد نفسة الهاً مطلقاً في الحكم وهو وحده مصدر التشريع والعدالة.
الى جانب حضارات وادي الرافدين تعتبر الحضارات الشرقية كالصينية والهندية من الحضارات التي اهتمت بحقوق الانسان والعلاقات الانسانية, اذ جعلت هذه الحضارات ارتباطاً وثيقاً بين التعاليم الدينية والنظرة الى الانسان وحقوقه,(ففي الهند براهما-وبوذا560-480ق.م) ويرى بوذا :ان لا فرق بين جسم الامير وجسم المتسول الفقير وكذلك لا فرق بين روحيهما وفي الصين(كونفوشيوس550-479ق.م) الذي يرى (ان الظلم هو رذيلة الرذائل).
وكذلك اسهم الفكر اليوناني والفكر الروماني في ميدان حقوق الانسان بما قدمة مفكرو الحضارات اليونانية والرومانية من اسهامات كبيرة في هذا المجال(ففي اليونان المفكر سوفو كليس 2500ق.م) في قولة الخالد(كثيرة هي المعجزات في الدنيا ,ولكن الانسان اعظمها ),وجدير بالذكر ان سوفو كليس يدخل في عداد الرواد الذين ادركوا حقيقة (كون الانسان مخير اكثر من ان يكون مسيراً).
وفي التقاليد الاغريقية فأن التأكيد على العدالة واحترام القانون تعبير عن مدى صلاحية المجتمع ومقياس لفضائله ,ويرى افلاطون (427-347ق.م), :ان اول ماتعنىي به حكومة الجمهورية هو ان تكمل السعادة للمحكومين, وان تهبهم الصحة والرضى والفراغ ,كما اعتبر ان ليس للاجتماع المدني من قاعدة سوى العدل , وان اية دولة لاتعرف ان تقوم علية هي دولة فاسدة مؤذنه بالانهيار, اما ارسطو(384-322ق.م) فانه اكد على (ان المثل العليا للدولة هي سيادة احكام القانون والعدالة والتعليم, وان الدولة انما وجدت لصالح الانسان ولم يوجد الانسان لصالح الدولة, فما ولد النسان الا ليسعد).
وتعد الحرية عند الرومان رخصة طبيعية تستمد وجودها من قانون اعلى واسمى من القانون الوضعي .
وفي مصر الفرعونية كان عندهم الاله رع اله الشمس الذي حكم مصر واخضع اهلها لقانون جاءهم به من السماء يقوم على العدل والحق والصدق ,وخضع له الحاكمون طويلاً فسعد به الشعب ,وذلك منذ الاسرة الاولى الى الاسرة السادسة الحاكمة,وفي عهد الاسرة الثامنة عشرة انشئت مجالس للبلاد تحكم بالعدالة,وقد عمت الحقوق الدينية جميع افراد الشعب في عهد تلك الاسرة,وجاءت فترة اخناتون لتقول بنوع من التوحيد ,ودعا الى السلام والتسامح والرحمة , والى تحقيق العلم للجميع دون تمييز, كما قدم المعلمون المصريون والحكماء القدامى في اطار التعليم والتربية كثيراً من المثل المرتبطة بحقوق الانسان كتبت للشعب على قطع من الخزف الحجر.
حقوق الانسان في الاديان والشرائع السماوية:
اولت الديانات والشرائع السماوية التي ترتبط بمصدر واحد هو المصدر السماوي وتتشابه في كثير من القضايا لاسيما التوحيد ,وتكاد تتكامل لما فيها من اهتمام بالقضايا الدنيوية والاخروية,اولت الانسان وحقوقه اهتمامهاالاول , ولما كان الانسان كعقل واع محور هذه الرسالات السماوية فقد حفلت كتبها المقدسة بحقوق وواجبات تخص الانسان واعتبرها اتباعها حقوقاً من صنع الخالق فهي مقدسة لا يجوز مسها,وهي ليست كالفلسفات الوضعية قابلة للتغير في جوهرها ,وتبدل نصوصها او تطورها متى يشاء الانسان ,وفي اي وقت اراد, لهذا السبب فقد حفلت الكتب السماوية المقدسة بقوانين وتشريعات تبين ما على الانسان من واجبات وماله من حقوق.
حقوق الانسان في الاسلام:
لما كان الاسلام اخر الاديان السماوية وكان الرسول محمد(صلى الله علية وسلم) هو خاتم النبيين, فان الاسلام هو دين للبشرية جمعاء وللتاريخ كله دون الاقتصار على شعب بعينه او منطقة محددة او حقبة من التاريخ ,ولقد اقر الاسلام بشريعته السمحاء حقوق الانسان منذ اكثر من اربعة عشر قرناً,وهذه الحقوق ليست حقوقاًطبيعية بل هي هبه الهية ترتكز الى مبادئ الشريعة والعقيدة الاسلامية, وهذا ما يضفي على تلك الحقوق قدسية تشكل ضماناً ضد اعتداء السلطة عليها , ولم يترك القران الكريم امراً الا تحدث عنه بالنسبة لحقوق الانسان ,والقران الكريم هو المصدر الاساس للشريعة الاسلامية.
ووفقاً للقران الكريم وسنة الرسول (صلى الله علية وسلم),فان الاسلام نظام متكامل يشمل كل جوانب الحياة ,ويضمن حرية الانسان وحقوقه في اطار مبادئ الشريعة ,ويستند الى التضامن بين الافراد والمجتمع , وفي اطار المسؤولية الاجتماعية , وبالرغم من ان القران والسنة النبوية الشريفة تضمنت المبادئ الاساسية التي تنظم حقوق الانسان فان هذين المصدرين الاساسيين تسمحان لكل مجتمع بتطبيق هذه المبادئ وفقاً للظروف واوضاع هذا المجتمع ,ان استناد حقوق الانسان في الاسلام الى خالق الانسان قد اعطى هذه الحقوق ميزات مهمة وهي:
- 1-منح هذه الحقوق قدسية.
- 2-اعطاها قوة الزام يتحمل مسؤولية حمايتها كل فرد.
- 3-الله تعالى هو الذي صاغ هذه الحقوق.
ويضع الاسلام قواعد اساسية تنتظم داخلها حقوق الانسان وواجباته واسلوب ممارسته لحرياته وهي:
1-كل شيء في الاصل مباح وهي المساحة الواسعة التي يتصرف داخلها الفرد ولأيقق الاعندما يحرم بنص من الكتاب والسنة.
2-حدود حرية الفرد وحقه تقف عند حدود وحق فرد اخر(فلا ضرر ولا ضرار في الاسلام).
3-الالتزام بالمصلحة العامة عند التقاطع بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع وحيثما تكون المصلحة العامة يكون شرع الله.
4-الالتزام بأخلاقيات الاسلام عند ممارسة الحرية والحقوق فعليه ان يجادل بالحسنى ويدعو بالحكمة ولايجهر بالسوء من القول ولا يقول ما لا يفعل,واذا حكم فعليه ان لا يكون فضاً غليظ القلب.
5-ان يستخدم الانسان عقلة باعتبار العقل المرجعية الاولى في محاكمة النقل.
6-القاعدة الاساسية لممارسة الحريات والحقوق في اطارها هي الشورى كمنهج للسلوك وفلسفة الحكم.
واهم حقوق الانسان هو حق الحياة ,وذلك في عرف العقائد والاديان اضافة الى كونه اهمها في الفلسفات الوضعية, واعتبر الاسلام حياة الانسان مقدسة لا يجوز لاحد ان يعتدي عليها, لقد خص الله تعالى بني البشر بخصائص تختلف عن باقي المخلوقات, قال تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)(سورة الاسراء /الايه70),ويتضح حق الحياة في الاسلام عندما ننظر الى العقوبات التي فرضها الاسلام تجاه القاتل الذي ينهي حياة شخص دون حق ,وقال تعالى: { ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين } [البقرة 190 ], وقال تعالى{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151],وقال تعالى{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152],من هنا كان حرص الشريعة الاسلامية على حياة البشر دون استثناء ,وجعل هذه الحياة شرط استمرار الجنس البشري وبقائه ,كما اعتبر الاسلام الانسان مكلفاً بالحفاظ على حياته وَقَال تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [الْبَقَرَةِ: 195] .
اما حرية التفكير والاعتقاد والتعبير وهي من اكثر الحقوق الانسانية التي شغلت المفكرين والعقائد والفلسفات,فان الاسلام قد اقرها لبني البشر , فالإنسان حر في اختيار عقيدته ودينه (لكم دينكم ولي دين)(سورة الكافرين/الآية 6), والانسان حر بفطرته , فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ,كما ان القران الكريم يقر الناس جميعاً على عقائدهم التي اختاروها من خلال تفكيرهم في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62] .
يضمن الاسلام حقوق غير المسلمين وحقوق الاقليات على اسس من العدالة والتسامح والاحترام التام ,فغير المسلمين يضمن لهم الاسلام الامن والحفاظ على اموالهم , والدولة مسؤولة عن الدفاع عنهم ,ولهم الحق في ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم واعمالهم التي يرغبون فيها ويستخدمون الموارد العامة في البلاد اسوة بغيرهم.
ويقر الاسلام حرية الراي والتعبير وهي حق مقدس ونهج واضح دلت علية آيات القران الكريم في قولة تعالىلنبيه – صلى الله عليه وسلم-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}(سورة النحل آية 125), وفي قولة تعالى{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [العنكبوت: 46] , وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} . [آل عمران: 159],وسيرة الرسول(صلى الله علية وسلم ) حافلة بل قائمة على الحوار والشورى ,كما فيقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ – وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 38 – 159],والتي تقر حق الانسان في المشاركة في الحياة العامة.
اما بالنسبة لحقوق المرأة في الاسلام فان الله تعالى خلق الرجل والمرأة وجعلهما على قدم المساواة لا فضل لاحدهما على الاخر الا بالتقوى ,قال تعالي : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ],وحديث الرسول (صلى الله علية وسلم)( (( إنما النساء شقائق الرجال )) يؤكد تلك الحقوق التي منحها الاسلام للمرآة ,والاسلام هو اول من اعترف للمرآة بالشخصية القانونية المستقلة مثل الرجل ووفقاً لمنفعة المجتمع وعلى اساس التضامن بين اعضاء المجتمع , وللزوجة في الاسلام شخصية مستقلة عن زوجها فهي تحتفظ باسم عائلتها ولأتغير اسمها الى اسم الزوجكما هو في المجتمعات الغربية ,وللمرأة حق المشاركة في الحياة العامة ,ولها ان تدخل التعاقدات والاتفاقيات والضمانات وممارسة الاعمال والتجارة بمفردها ان رغبت,اذ كانت السيدة خديجة زوج النبي(صلى الله علية وسلم) تدبر تجارتها بنفسها , وللمرأة في الاسلام استقلال مالي سواء في اموالها من الميراث والتجارة او العمل دون ان يتوقف ذلك على موافقة الزوج ,ولم تحصل المرأة في الغرب على هذه الحقوق الامنذ فترة ليس بالبعيدة.
وتعتبرالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الحقوق الانسانية العامة التي ركز عليها الاسلام ,فالحق في العلم والتعليم ورد في القران الكريم كما في قولة تعالى {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} [العلق 1-5], وقال الرسول الكريم(صلى الله علية وسلم):”طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”, مؤكداً على ان هذا الحق في العلم للرجل والمرأة على حد سواء, وقال تعالى{ولهن مثل الذي عليهن}(سورة البقرة : 228),اما بالنسبة للحقوق الاقتصادية فان الاسلام اعتبر العمل المصدر الاساسي للملكية كما في قولة تعال{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(سورة الملك/الآية 15),وحمى الاسلام حق التملك اذ لا يجوز انتزاع ملكية نشأت عن كسب حلال الا لمصلحة عامة ,كما في قولة تعالى{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(سورة البقرة/الآية 188),وحمى الاسلام حقوق العامل كما في قولة تعالى{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(سورة التوبة: الآية 105),ووردت احاديث كثيرة عن الرسول (صلى الله علية وسلم) تحث على العمل وتربطه بالكرامة الانسانية,وضمن الاسلام للإنسان حق الامان بعيداً عن الخوف لان ذلك يفقده شرطاً مهماً من شروط الحياة كما جاء في خطبة الوداع للرسول محمد (صلى الله علية وسلم)(انما دماؤكم واموالكم حرام عليكم),واكد الاسلام على حرمة المسكن وحق بناء الاسرة والرعاية الصحية وحق الكرامة الشخصية التي ترتبط بالحرية الشخصية ,فالإنسان مكرم لدى خالقه ,وضمن الاسلام حق العدالة فمن حق كل فرد ان يحتكم الى الشريعة ,وضمن حق المساواة فالناس جميعاً سواسية امام الشريعة كما جاء على لسان الرسول الكريم(صلى الله علية وسلم) في خطبة الوداع (لا فضل لعربي على اعجمي ولا لا عجمي على عربي الا بالتقوى), فالحرية والعدالة والمساواة مبادئلصيقة في صلب العقيدة الاسلامية.
ان مكانة الانسان في الاسلام مكانة رفيعة فهو خليفة الله في الارض, وحقوقه جزء اساسي من الدين الاسلامي لا يمكن تعطيلها او خرقها او تجاهلها ,وكل انسان مسؤول عنها اضافة الى مسؤولية الامة عنها بالتضامن, فالإنسان في نظر الاسلام هو اللبنة الاساسية في المجتمع , وعلية يتوقف صلاح المجتمع وفساده, ومن هنا عني الاسلام بالفرد كثيراً فشرع له حقوقه التي تحفظ كيانه وصلاحه وامنة , وعالج ذلك بشمول وعمق ,واحاط كل ذلك بضمانات كافية لحماية تلك الحقوق, فحقوق الانسان هي تلك الحقوق التي تضمن للإنسان كيانه , وضرورياته المادية والمعنوية.