ندوة علمية عن حقوق الانسان في التراث العربي والاسلامي
ندوة علمية عن حقوق الانسان في التراث العربي والاسلامي
برعاية السيد رئيس جامعة ديالى الاستاذ الدكتور عباس فاضل الدليمي المحترم وباشراف عميد الكلية الاستاذ المساعد الدكتور حيدر شاكر مزهر المحترم عقدت لجنة حقوق الانسان في كلية التربية الاساسية ندوة علمية بعنوان(( حقوق الانسان في التراث العربي والاسلامي – رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام) إنموذجاً)).وقد حاضر في الندوة كل من أ.م.د.قحطان حميد كاظم رئيس قسم التاريخ ورئيس لجنة حقوق الانسان في الكلية وأ.م. رشوان محمد جعفرعضو لجنة حقوق الانسان في الكلية وم.م.ابراهيم سليمان محمد التدريسي في قسم التاريخ- كلية التربية الاساسية.وحضر الندوة السيد عميد الكلية الأستاذ المساعد الدكتور حيدر شاكر مزهر وعدد من رؤساء الاقسام والتدريسيين ورئيس لجنة حقوق الانسان في الجامعة الأستاذ المساعد الدكتور رياض عدنان محمد فضلاً عن أعضاء لجنة حقوق الانسان في الكلية وعدد كبير من الطلبة.وقد كانت رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام من أعظم الاثار التي وصلت الينا من الحضارة العربية والاسلامية وقد احتوت على خمسين حقاً توزعت بين حقوق الله على الناس وحقوق الحياة بتفرعاتها المختلفة والحقوق العملية والفكرية وحقوق الائمة وحقوق اهل الملة وحقوق اهل الذمة وحقوق المعلم…وتوصلت الندوة الى جملة من النتائج من أهمها:
1.إن الحقوق والواجبات حقيقتان اجتماعيتان لهما جذورهما الراسخة في حياة كل إنسان منذ العهود الغابرة وحتى هذا اليوم، حيث أصبحت حقوق الإنسان هي شعار القرن الحادي والعشرين، الشعار والطريق الأمثل لتقدم البشرية، ورمز تطلعاتها لتحقيق المستقبل الزاهر.
2.إن الحق يرتبط بالمجموعات البشرية ومفاهيمها ويتطور بتطورها، ويظل دائماً أمراً اجتماعياً محدداً بجملة من المعايير والقوانين، وهو بذلك ليس مقولة إنسانية مجردة، وإنما هو تعبير تاريخي وضرورة ملحة لتنظيم علاقات المجتمع.
3.إنّ مبدأ القهر ومبدأ حرية الإنسان لا يلتقيان أبداً، ومن أجل ذلك تم تشريع قوانين حقوق الإنسان التي كانت أمراً لابدّ منه، لأن تلك القوانين – وبالخصوص القانون الدولي – تسعى لكبح جماح القوة وغطرستها ومنع استفحال سيطرتها وهيمنتها بدون حق، فكانت تلك التشريعات درعاً واقياً وحصناً يحمي حقوق الأفراد التي طالما نراها تنتهك في كثير من أرجاء العالم، تحت تأثير التفسيرات المختلفة لهذه الحقوق، بحسب نظرة الدول لها وحسب مصالحها وأطماعها الخاصة، والتي تجعلها في حالة استعداد دائم لوأد الحرية الإنسانية وحقوقها في سبيل تحقيق تلك الأطماع، ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أن الحرية بمفهومها الصحيح لا تعني الاعتداء على حريات الآخرين، كما أنها ليست سبيلاً من سبل الفوضى والعبث، وإنما هي الطريق القويم لتحقيق ذات الإنسان وشعوره بماهيته دون التجاوز على الآخرين.
4.إن حرية القول التي تعتبر أعمق وأوضح صور الحرية تشكل سلاحاً رادعاً لجميع أنواع التسلط بحيث أن الكلمة على صغرها قد تكون سبباً في ازدهار الأمة وتحقيقاً لحريتها المنشودة.
5.وتأسيساً على ذلك فإن المجتمع المتميز يقتضي تبادل الثقة يبن أفراده، عن طريق توفير حرية القول والرأي؛ لأن آراء الشعب جزئية وليست شاملة مطلقة؛ لذلك وجب أن يتمتع كل شخص بحرية التعبير عن وجهة نظره لتتكامل هذه الآراء.
6.أضحى العالم كقرية صغيرة تتشابك فيها حياة الشعوب، وجب على الإنسانية مكافحة صنوف العناء والاضطهاد وفقدان الحريات، بتطبيق حقوق الإنسان، التي حرصت كل أمة، بل وكل دولة أن توجه أنامل الفخر إليها في هذا المضمار، حيث زعمت المملكة المتحدة(U.K) أن الإنكليز سبقوا شعوب الأرض في مجال الحقوق، بينما زعم الفرنسيون أن هذا التطور ما هو إلاّ نتاج ثورتهم التي رفعت شعار (الحرية والإخاء والمساواة).
7.وعلى الرغم من اهتمام المعنيين بمسألة حقوق الإنسان، فإننا قلما نجدها واقعاً في حيز التطبيق، وبخاصة في العالم الثالث. بينما الإسلام – دين الرحمة لكل العالم – قد قرر تلك المبادئ في أكمل صورة وأوسع نطاق وقدمها للإنسانية منذ أربعة عشر قرناً، فسبق بها سبقاً لا مثيل له. وكانت خلاصة تلك المبادئ السامية (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، تلك الرسالة التي تهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض، أفراداً وجماعات، حكومات وشعوباً، دولاً وأجناساً، وحسبها عظمة وسمواً أن غارس بذرتها نبعة شجرة النبوة، وأصل معدن الحكمة الإمام زين العابدين(ع).
8. ليس في التاريخ العربي والاسلامي من يضارع الإمام زين العابدين عليه السلام في ورعه وتقواه، وشدة انابته إلى الله، اللهم إلا آباؤه الذين أضاؤوا الحياة الفكرية بنور التوحيد، وواقع الإيمان.
9. لقد حكت سيرة هذا الإمام العظيم سيرة الأنبياء والمرسلين، وشابههم بجميع ذاتياتهم، واتجاهاتهم، فهو كالمسيح عيسى بن مريم في زهده، وإنابته إلى الله وكالنبي أيوب في بلواه وصبره، وكالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه) في صدق عزيمته وسمو أخلاقه… ، وحسبه أنه وحده في تأريخ هذه الدنيا، قد عرف بزين العابدين ولم يمنح لأحد هذا اللقب سواه.
10. برز الإمام زين العابدين (عليه السلام) على مسرح الحياة الإسلامية كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ، فقد استطاع بمهارة فائقة ـ وهو في قيد المرض وأسر الأمويين ـ أن ينشر أهداف الثورة العظمى التي فجرها أبوه الإمام الحسين(ع) القائد العظيم للمسيرة الإسلامية الظافرة، فأبرز قيمها الأصيلة بأسلوب مشرق كان في منتهى التقنين والأصالة والإبداع.
11.لقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في الشجاعة والبطولات وكان من بينها أنه حينما حمل أسيراً إلى ابن مرجانة ، فاستهان الإمام به، ونعى عليه ما اقترفه من عظيم الجريمة والإثم، وقابله الطاغية بالتهديد بالقتل، إلا أن الإمام لم يعن به وسدد له السهام النافذة لقلبه ببليغ منطقه، وقد كان لحديثه معه صدى هامٌّ في الأوساط الرسمية وغيرها من عامة الناس، وظل يلقي الأضواء على معالم الثورة الحسينية، ويبث موجاتها على امتداد الزمن والتاريخ.
12.أما خطابه في بلاط يزيد فإنه من أروع الوثائق السياسية في الإسلام، ولا أكاد أعرف خطاباً سياسياً أبلغ، ولا أشد تأثيراً منه في إيقاظ الجماهير وتوعية الرأي العام، فقد سد على يزيد كل نافذة يسلك منها للدفاع عن نفسه، وتبرير جريمته في قتله لسيد شباب أهل الجنة، وإبادته للعترة الطاهرة.. وأخذ الناس يتحدثون بإعجاب وإكبار عن خطاب الإمام الذي كان من ثمرات النهضة الحسينية، وصفحة من صفحاتها المشرقة.وقد أحدث بكاؤه على أبيه لوعة في نفوس المسلمين ولعل هذه الظاهرة جملة من العوامل التي حفزت الجماهير الإسلامية على مناجزة الحكم الأموي، فقد انطلقت الشرارة الأولى من يثرب، فأعلن أبناء الصحابة عصيانهم المسلح على حكومة يزيد التي استهانت بقيم الأمة ومقدراتها.
13.واتجه الإمام الأعظم زين العابدين (عليه السلام) بعد كارثة كربلاء صوب العلم لأنه وجد فيه خير وسيلة لأداء رسالته الإصلاحية، كما وجد فيه خير ضمان لراحته النفسية التي أذابتها كوارث كربلاء، وقد هرع للانتهال من بحر علمه أبناء الصحابة، والعلماء والفقهاء، فأخذ يغذيهم بعلومه ومعارفه ليكونوا مناراً للعلم والأدب في العالم الإسلامي.
14.لقد أنبرى الإمام (عليه السلام) إلى إنارة الفكر العربي والإسلامي بشتى أنواع العلوم والمعارف، وقد دعا ناشئة المسلمين إلى الإقبال على طلب العلم، وحثهم عليه، وقد مجَّد طلابه، وأشاد بحملته، وقد نمت ببركته الشجرة العلمية المباركة التي غرسها جده الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم)، فأقبل الناس بلهفة على طلب العلم ودراسته فكان حقاً من ألمع المؤسسين للكيان العلمي والحضاري في الدولة العربية الاسلامية.
15. أما الثروات الفكرية والعلمية التي أثرت على الإمام زين العابدين (عليه السلام) فإنها تمثل الإبداع والانطلاق والتطور، ولم تقتصر على علم خاص، وإنما شملت الكثير من العلوم كعلم الفقه والتفسير وعلم الكلام، والفلسفة، وعلوم التربية والاجتماع، وقد عني بصورة خاصة بعلم الأخلاق، واهتم به اهتماماً بالغاً، ويعود السبب في ذلك إلى أنه رأى انهيار الأخلاق الإسلامية، وابتعاد الناس عن دينهم من جراء الحكم الأموي الذي حمل معول الهدم على جميع القيم الأخلاقية فانبرى (عليه السلام) إلى إصلاح المجتمع وتهذيب أخلاقه.
16.لقد عالج الإمام (عليه السلام) بصورة موضوعية وشاملة القضايا التربوية والأخلاقية، وبحوثه في هذا المجال من أنفس البحوث الإسلامية وأدقها في هذا الفن.ولعل من أجمل تلك الثروات بل من أهمها وأكثرها عطاءً في تنمية الفكر الإسلامي هي أدعيته الجليلة التي عرفت بالصحيفة السجادية، والتي أسماها العلماء تارة بزبور آل محمد (صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم)، وأخرى بإنجيل آل محمد (صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم) وعدوها بعد القرآن الكريم، والحديث الصحيح ،ونهج البلاغة في الأهمية وهي بحق منهج متكامل للحياة الإسلامية الرفيعة، وذلك بما حوته من معالم الأخلاق، وقواعد الاجتماع… ومن الجدير بالذكر أنها احتلت المكانة المرموقة عند الأوساط العلمية الإمامية فعكفوا على دراستها وشرحها، وقد تجاوزت شروحها أكثر من خمسة وستين شرحاً، كما أن من مظاهر اهتمامهم بها أنهم كتبوا نسخاً منها بخطوط جميلة تعد من أنفس الخطوط العربية، كما زخرفت بعضها بالزخرفة الثمينة التي هي من أنفس الذخائر في الخطوط العربية.وتعدت إلى العالم الغربي فقد ترجمت إلى اللغة الإنكليزية والألمانية والفرنسية، وأقبل علماء تلك الأمم والشعوب على دراستها، والامعان في محتوياتها، وقد وجدوا فيها كنزاً من كنوز الفكر والعلم، كما وجدوها تفيض بالعطاء لتربية النفس وتهذيبها بمكارم الأخلاق.. ومن الحق أنها أضافت إلى ذخائر الفكر الإنساني ثروة لا تطاول، ولن تثمن وأنها قد حوت من ألوان الثقافة العالية ما ندر وجوده في الكتب الدينية والأخلاقية، كما أنها من أهم المصادر في دراستنا عن شخصية الإمام زين العابدين(عليه السلام).
17.لقد تحلى الإمام بكل أدب، وتزين بكل فضيلة وشرف، وتجرد من كل أنانية، وابتعد ابتعاداً مطلقاً عن جميع زخارف الحياة، ومباهجها، وكان من ألمع نزعاته الإنابة إلى الله، والانقطاع إليه، فقد شاعت في عقله وقلبه وجسمه محبة الله والخوف منه، وأشرقت نفسه بنور اليقين بالله، وامتلأت ذاته رجاءً وأملاً برحمة الله… وكان فيما اجمع عليه المؤرخون قد اجهد نفسه أي اجهاد على العبادة والطاعة، وحملها من أمره رهقاً.ولم ير الناس في عصره من هو أعبد، ولا من هو أتقى منه، ونظراً لكثرة عبادته فقد لقب بسيد الساجدين، وزين العابدين وإمام المتقين.
17.من المثل العليا التي اتصف بها الإمام عليه السلام هو أنه كان كثير البروالإحسان بالعبيد، وكان يشفق عليهم كثيراً، وكان من أهم ما يصبو إليه في حياته تحريرهم من الرق والعبودية، وقد اعتق مجموعة كبيرة منهم، ولو وجد مجالاً لما أبقى رقاً ولعل السبب في ذلك هو القضاء على الرقية وعلى استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وتعريف المسلمين بواقع دينهم العظيم الذي جاء لتحرير الإنسان وإنقاذه من الذل والعبودية، وتحريره فكرياً وجسدياً من جميع ألوان التبعية.
18.ومن الحق أن يقال: إن هذا الإمام العظيم ليس لطائفة خاصة من الناس، ولا لفرقة معينة من الفرق الإسلامية دون غيرها، وإنما هو للناس جميعاً على اختلاف عصورهم، بل وعلى اختلاف أفكارهم وميولهم واتجاهاتهم، فإنه يمثل القيم الإنسانية والكرامة الإنسانية، ويمثل كل ما يعتز به هذا الإنسان من الكمال والآداب، وسمو الأخلاق.
19.ونظراً لسمو شخصيته العظيمة، وما له من الأهمية البالغة في نفوس المسلمين فقد سارعت كثير من الفرق الإسلامية إلى القول بأنه منها، فالمعتزلة التي تعد من أكثر الفرق الإسلامية تخصصاً في البحوث الكلامية، قد عدوه باعتزاز وشرف منهمواحداً. كما ادعت الصوفية أنه من أعلامهم، وترجموا له في موسوعاتهم.