حقوق الإنسان في الحضارات والتراث الإنساني
حقوق الإنسان في الحضارات والتراث الإنساني
تم استضافة لجنة حقوق الانسان لكلية التربية الاساسية في كلية الطب البيطري/جامعة ديالى لعقد ندوة عن حقوق الانسان بعنوان” حقوق الانسان في الحضارات والتراث الانساني “وجرى ذلك بالتعاون مع كلية التربية الاساسية وذلك يوم الثلاثاء الموافق 12/5/2015 ، شارك فيها كل من أ.م.د.قحطان حميد كاظم رئيس لجنة حقوق الانسان في كلية التربية الأساسية ورئيس قسم التاريخ ، والمدرس المساعد خالد تركي عليوي التدريسي في كلية التربية الأساسية.واستهلت الندوة بقراءة الآية القرآنية،بسم الله الرحمن الرحيم))ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا. ((صدق الله العلي العظيم
بعد ذلك تم بيان كلمة الحق اصطلاحًا: كلمة الحق تدور حول معانِ عدةَ، منها الصواب والثبوت والوجوب واللزوم والمعقول وهي نقيض الباطل، كما أن كلمة الحق في الفقه الاسلامي للدلالة على معان عديدة مثل أنما لشخص اوما ينبغي أن يكون لهم معنا اخر ….
وقد اعطى الفقهاء، تعريفات متعددة للحقوق، فقد عرفها البعض بانها” سلطة قررها القانون لشخص يستطيع بمقتضاها أن يجري عملاً معينًا أو أن يلزم آخر بأدائها له تحقيقاً لمصلحة شخصية أو مصلحة مادية أو أدبية حماها القانون بتخويله صاحبها سلطةالقيام بالاعمال اللازمة لتحقيق هذه المصلحة “.ثم تم تعريف حقوق الانسان بأنها: هي المعيار الأساسي الذي لا يمكن للناس العيش من دونه بكرامة كبشر، وهي تلك الحقوق التي يمتلكها جميع أبناء الجنس البشري استناداً إلى صفتهم الانسانية، وهي ضمانات قانونية عالمية تحمي الأفراد والمجموعات من الأفعال التي تعوق التمتع بالحريات الأساسية. كما تم شرح أهم سمات حقوق الانسان وهي: إنها موغلة في القدم وأبدية، وهي متأصلة في الانسان ، وشمولية، وغير قابلة للتصرف ،وهي متكاملة ومترابطة، فضلاً عن المسؤولية العامة .
وبينت الندوة قيم حقوق الانسان وهي: الكرامة ، والمساواة، وعدم التمييز، والعدالة الحرية، و التسامح ، والتحرر من الفاقة .
كما تناولت الندوة مصادر حقوق الانسان بالتوضيح وهي:
- الشرائع السماوية ) قواعد أخلاقية ملزمة. (
- النتاج الحضاري والفكري والفلسفي الانساني وقيم الثورات الكبرى.
- المواثيق والاتفاقات والإعلانات الدولية العالمية والإقليمية.
- القانون الانساني الدولي )اتفاقات جنيف (.
- القانون الدولي لحقوق الانسان )الشرعة الدولية + الاتفاقات).
وتم التطرق الى حقوق الانسان في الحضارات القديمة:
منذ أن ولد الانسان ولدت معه حقوقه ,غير إن الوعي بهذه الحقوق والاعتراف والتمتع بها اتخذ مسيرة طويلة , وخضعت لظروف عدة , ظهرت مفاهيمها في التطبيق العملي اول مرة في تاريخ البشرية عندما ألف الانسان الآخر ونبذ العنف , واتفقوا على العيش لمواجهة مشكلات الحياة في نطاق العائلة ثم القرية والمدينة , وراح الجميع يبحثون عن سبل البقاء ومقارعة خطوب الحياة.
وكانت أول مبادئ لحقوق الانسان ظهرت على البسيطة هي تلك المبادئ التي ظهرت في الحضارات القديمة في الوطن العربي والقبائل العربية , وبعد ظهور الاسلام اتسمت قواعد حقوق الانسان بصفة سماوية ملزمة للجميع , وسنتناول على نحو موجز حقوق الانسان في حضارة وادي الرافدين وفي عادات وتقاليد العرب.
يعد الوطن العربي مهد الحضارات القديمة , فظهر فيه أول تشريع وضعي حدد حقوق والتزامات كل شخص ,ومنع التجاوز عليها ,وعرف الانسان فيها قيمة الحياة والألفة والمحبة والعيش سوية, وهو أمر دفعه الى نبذ العنف ومن ثم اتجه نحو البحث عن السعادة والرغبة الأكيدة في التعاون لمواجهة صعوبات الحياة , إذ اكتشف علماء الآثار وجود مستوطنات بشرية في العراق القديم تعود الى اكثر من (100) الف سنة , عاش سكانها على الصيد والزراعة ودجنوا الحيوانات واستوطنوا في القرى , وتطورت حقوق الانسان بصورة واضحة عندما ظهرت المدن الكبيرة في العراق ومصر واليمن والشام وشبه الجزيرة العربية في نحو الالف الرابع قبل الميلاد.
واثبت التاريخ الانساني أن القانون ظهر أول مرة في الوطن العربي سواء القواعد العرفية التي اتبعتها القبائل العربية في الإدارة والتنظيم وحماية حقوق افرادها الذين ينتمون الى أصول مشتركة , او القواعد القانونية المكتوبة التي وضعتها وطبقتها الدول , ومن اقدم القوانين المكتوبة التي عثر عليها هو قانون اورنمو في العراق , إذ اقر هذا القانون حقوق الانسان , فقد جاء في مقدمته : “إن الهدف من الشريعة توطيد العدالة وازالة البغضاء والظلم والعداوة وتوفير الحرية في البلاد”, وتعد هذه الاهداف وعاء حقوق الانسان وعمودها الفقري والضمان الحقيقي لتطبيقها.
وتضمن القانون نصوصاً عديدة من مبادئ حقوق الانسان التي اقرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان, بل انه اورد مبادئ انسانية , ومن ذلك : العقاب على الاتهام الكاذب , ومنع المساس بجسم الانسان, وتحريم شهادة الزور , وحماية الملكية وأموال الغير.
وأقر قانون ” لبت عشتار” وهو من قوانين العهد البابلي القديم العديد من مبادئ حقوق الانسان , وتضمن مقدمة مشابهة لقانون اورنمو , غير أنه أكد جلب الرفاهية الانسانية للسومريين والاكديين , وأن الملك لبت عشتار الملك المتواضع الراعي للدولة وللمزارع, ومن الحقوق التي أكدها هذا القانون حماية طبقة العبيد ومنع الاساءة اليهم واوجب انصافهم , ومنع تعذيب الانسان للإنسان , وضمن حقوق الطفولة, ومنع المساس بجسم الحيوان.
ومن القوانين التي ضمنت حقوق الانسان في المجتمعات القديمة قانون مملكة اشنونا , في حوض نهر ديالى قرب بهرز, ونظر هذا القانون الى حقوق الانسان من زاوية الاستغلال الاقتصادي ,ووجد أن رفع المعاناة الاقتصادية هو الضمان لحقوق الانسان , واصطبغ هذا القانون بصبغة انسانية لرفع المعاناة عن المواطنين , لهذا حدد اسعار الحاجات الاساسية للإنسان فسعر الحبوب والزيوت والصوف وملح الطعام والنحاس , واللحوم والنقل البري , والنقل المائي , والمحافظة على حقوق الاسير, والعديد من السلع والحاجات الاساسية , فضلاً عن الحقوق التي ضمنتها القوانين السابقة.
وتعد شريعة حمورابي من أكثر الشرائع الوضعية التي أهتمت بحقوق الانسان قبل الاسلام , فقد ضمت هذه الشريعة حقوقًا وردت في القوانين السابقة والعرف المطبق عند العشائر في الوطن العربي, وأضافت اليها قوانين أخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها في هذه الندوة .
ومن أهم قواعد حقوق الانسان التي جاءت بها شريعة حمورابي كانت كالآتي:
- مسؤولية حاكم المدينة عن الامن والاستقرار وحماية أموال المواطنين.
- إذا فقد شخص من المدينة فعلى المدينة وحاكمها تعويض أهله.
- الرعاية الصحية للمواطنين, يجب توفير الرعاية الصحية لكل الناس , ويتحمل الطبيب المسؤولية عن الأخطاء التي يحدثها للمريض.
- جريمة سرقة الطفل, إذا سرق طفل فإن السارق يعدم.
- المحافظة على أموال العائلة.
- اثبات نسب الولد: منعت شريعة حمورابي العلاقات غير الشرعية , والزواج غير المدون,من أجل المحافظة على النسب.
- إذا أقامت المرأة علاقة غير شرعية مع رجل فأنها تربط مع الرجل وترمى في الماء.
- ليس للوالد حق حرمان ابنه من الميراث.
- يعد اطفال الأمة أحراراً بعد وفاة أبيهم.
- أطفال العبد المتزوج من حرة يعدون أحراراً.
- القضاء يتولى حماية الاطفال اليتامى .
- العقاب على الاجهاض: إذا ضرب رجل امرأة وسبب لها اسقاط جنينها فعلية أن يدفع مبالغ من الفضة .
وتوسعت الندوة في تناول ما جاءت به الحضارات الانسانية من مبادىء وقيم تتعلق بحقوق الانسان لاسيّما في حضارتي وادي الرافدين في العراق وبعض الحضارات الانسانية الشرقية ،فقد عالجت تلك الحضارات الكثير من المعوقات والمشكلات التي كانت تتعلق بالتضييق على المواطنين آنذاك سواء من أجهزة الدولة الرسمية أو من الجماعات المنظوية تحتها او من العادات والاعراف والقيم السائدة وقتذاك . لكن تلك الحقوق لم ترتقي بالانسان الى ما جاء به الدين الاسلامي الحنيف من قيم ومبادىء إنسانية قيمة وضفت معظمها لاحقاً في القوانين والاعلانات التي صدرت من المنظمات الدولية والاقليمية المتعلقة بحقوق الانسان.
على كل حال، إنّ المطالبة بحماية حقوق الانسان من القهر والاستغلال قديمة قدم الظلم نفسة ,فحيث وجد الظلم تعالت الاصوات مطالبة برفعه , وللأديان السماوية الدور المؤثر في منع التجاوز على الانسان وردع المتجاوزين ومعاقبتهم , ويرتبط انتهاك حقوق الانسان ارتباطاً وثيقاً بطبيعة المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده , وفهمه لهذه الحقوق ومدى تقبله لها ,كما ترتبط مسألة حقوق الانسان بعوامل تاريخية ودينية وسياسية, وبالنظام القانوني والسياسي القائم في الدولة , فما يعد في مجتمع حقاً قد يعد غير ذلك في مجتمع آخر, وما يعد في الوقت الحاضر حقاً , قد لا يعد كذلك في زمن الماضي , فحقوق الانسان تختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر.
وترتبط مبادئ حقوق الانسان ببعضها بعضاً , وكل منها تعد مكملة للأخرى فهي نظام متكامل الجوانب , تعدى حدود الدولة وأصبح نظاما عالمياً يبيح التدخل لمنع الظلم في اي بقعة من العالم, فما يقع من انتهاك لحقوق الانسان في دولة يتداعى له المجتمع الدولي للمطالبة برفعه عن مواطني تلك الدولة , وليس لها حق التذرع بكونه مسألة داخلية تخضع لسلطانها الداخلي.
وجاءت الشريعة الاسلامية بقواعد انسانية رفيعة المستوى فكل آية في القرآن الكريم تعالج بصورة مباشرة او غير مباشرة مسألة حقوق الانسان ورفع الظلم عن الانسان نفسه , فحرمت الظلم الواقع على الانسان وإن كان صادراً منع على نفسه, وفرضت عقاباً على من يتجاوز على حقوق الانسان الشخصية والمالية , وما مبدأ القضاء العادل في الاسلام الا وسيلة من وسائل حماية حقوق الانسان .
وإذا كان الاسلام قد أقر حماية حقوق الانسان قبل أكثر من ألف واربعمائة سنة , فان المجتمعات الغربية كانت تئن من الظلم والجور الذي كابده الانسان من جراء الظلم والتسلط والاستحواذ على مجهوده حتى وقت قريب , مما دعا الفلاسفة ورجال الفكر الى المطالبة بتحقيق العدل للإنسان ورفع الظلم عنه , وبمرور الوقت تكونت جمعيات ونقابات ومنظمات برزت على الصعيد الاجتماعي والسياسي مطالبة برفع الظلم عن الانسان وحماية حقوقه , ومن هذا المنطلق صدر العديد من القوانين في الدول بعد الثورة الصناعية ضمنت حماية جانب من جوانب حقوق الانسان , ولاسيّما في مجالات العمل والرعاية الاجتماعية , وتحسين السجون وحرية الفكر وتنظيم التجمعات السياسية والنقابية.
كذلك عالجت الندوة ما تضمنه ميثاق الامم الامتحدة من مبادىء لحقوق الانسان فضلاً عن ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والتشريعات الدولية والاتفاقيات الاقليمية لحقوق الانسان.
أما مقررات الندوة وتوصياتها، فقد توصلت الندوة الى المقررات والتوصيات الآتية:
1.من الاهمية بمكان إشاعة مبادىء حقوق الانسان في العراق ولاسيّما في الوسط الجامعي لأنه أصبح من معايير تطور المجتمع وازدهاره ولايمكن بناء دولة المؤسسات بدون تطبيق معايير حقوق الانسان من قبل الافراد والمجتمع والدولة على حد سواء.
2.إن الحضارات الانسانية القديمة كانت زاخرة بمبادئ حقوق الانسان لاسيّما الحضارات العراقية والمصرية ، ولم تظهر حقوق الانسان في العصور الحديثة كما يدعي الاوربيون بذلك.
3.الكثير من الحقوق المعاصرة تفرعت من الحقوق الاصلية التي جاءت بها الحضارات القديمة والديانات السماوية لاسيّما الدين الاسلامي الحنيف، فقد وصلت الينا الكثير من قيم ومبادئ حقوق الانسان من التراث العربية الاسلامي وفي مقدمتها ما تضمنته رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين(ع).
4.على الافراد والمجتمعات أن تلبي ما عليها من واجبات وأن لا تكتفي بالمطالبة بحقوقها فقط، لأن أصل الحقوق هو أخذ الحقوق وتنفيذ الواجبات ويجب أن يكون هناك توازن بين ذلك،وإلا فلا فائدة مرجوة من المطالبة بالحقوق دون تلبية الواجبات لأن ذلك لن يمكن المجتمع من الرقي والتطور وتحقيق الاهداف المنشودة من حقوق الانسان، وأن المجتمعات الغربية سبقت غيرها من المجتمعات لأنها عملت على تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، لذلك تمكنت من بناء حضارات عتيدة نطمح دائماً للحاق بها.