مقالة بعنوان : العوامل المرتبطة بتطبيق الديمقراطية التوافقية بقلم/ م.م.أحمد صادق المندلاوي كلية التربية الأساسية / قسم اللغة العربية
مقالة بعنوان : العوامل المرتبطة بتطبيق الديمقراطية التوافقية
بقلم/ م.م.أحمد صادق المندلاوي
كلية التربية الأساسية / قسم اللغة العربية
يرتبط تطبيق النظرية التوافقية في مجتمع ما بعدة عوامل ،منها مايعد عوامل مؤاتية لتطبيقها ونجاحها،ومنها ما يتعلق بالعوامل التي يعد توافرها معرقلا لتطبيق الديمقراطية التوافقية.
هناك جملة من العوامل التي أثبتت التجارب العملية إنها عوامل مساعدة على التطبيق الفاعل للديمقراطية التوافقية في المجتمعات التعددية.
أولا – تعدد القوى وتوازنها:تبين مما تقدم إن الثنائية الحزبية تناسب المجتمعات المتجانسة، بخلاف حالة التعددية التي تُفسر فيها مكاسب كل طرف على إنها خسارة للطرف الآخر،الأمر الذي يعني الحاجة إلى وجود أكثر من فئتين في المجتمع التعددي،ويفضل ن تكون من ثلاثة إلى أربعة، فان تمكنت احدى الجماعات من تحسين مركزها لا يمكن تحديد إن طرفا ما يعد خاسرا من هذا التحسن.وقد يتيح ذلك للمركز أن يتدخل في حل أي خلاف كطرف محايد ،لاسيما مع كونه مشكلا من ائتلاف واسع.وان تحقيق توازن القوى في المجتمع التعددي أيسر منه في المجتمع الثنائي ،أو في حالة هيمنة إحداها على الأخرى،ففي الحالة الأولى سيحاول أحد الطرفين أو كليهما، الحصول على عناصر قوة إضافية تمكنه من الهيمنة .أما في الحالة الثانية ،فإنه ستنمو لدى الأغلبية فكرة السيطرة بدلا من التوافق مع الأقلية. وفي هذه الحالة سيكون الدافع للاشتراك في الائتلاف ضعيفا. يفضل إذن أن لايكون هناك تفاوت كبير في الحجم بينها،وأن لاتصل تعدديتها لدرجة التفتت،فيصبح التفاوض بين الجماعات أعسر. ويفضل أن تكون كل الاطراف أقليات، لايشكل أحدها أغلبية واضحة، وهذا يتيح أن تمثل هذه الفئات.( بأحزاب تماثلها حجما،بحيث يمثل كل منها واحدا من تلك القطاعات ) .
ففي النمسا، وعقب الحرب العالمية الثانية،أدت الثنائية في الائتلاف الحاكم إلى تعزيز الخلاف بين طرفي الائتلاف، إلا أن التعاون اللاحق للنخب في النمسا ساهم بشكل كبير في استقرار ونجاح التوافقية النمساوية. فيما كان للوضع الأقلّوي لكافة الثقافات الفرعية في هولندا الأثر الملطف. أما التعددية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية،فقد شكلت عامل عدم استقرار فيها،على الرغم من إنها تعددية- حزبية في ظاهر الحال.وهذا يشبه الوضع في فرنسا في ظل الجمهورية الرابعة ( 1948 – 1956 ), والمانيا في ظل حكومة فايمر( 1919 _ ١٩٣٣ ), وهذه التعددية الايطالية التي ينظر البعض إلى الوجه السيء فيها،مرحلة متقدمة جدا في بناء ايطاليا التي إنما قامت على تجميع عدة إمارات مستقلة قبل مايزيد قليلا على قرن من الزمان ليس إلا، ليقوم بطل الوحدة الايطالية"غاريبالدي" ويقول:( لقد ( صنعنا ايطاليا ،والآن دعونا نصنع الإيطاليين .
ويمكن لعوامل أخرى أن تخفف أو تبطل مفعول هذا العامل،فسويسرا مثلا تتسم بدرجة عالية من التعددية،إذ تعترف بأربع لغات رسمية ينقسم الناطقون بها إلى كاثوليك ولبراليين واشتراكيين، فضلا عن ثقافات فرعية لكل كانتون،حتى قيل إن هناك أكثر من خمس وعشرين ثقافة سويسرية، إلا إن التجانس والانسجام بين كل هذه الثقافات كان أعلى بكثير منه في دولة مثل بلجيكا. إذ أن الناطقين بالفرنسية في بلجيكا يخشون الكثرة العددية للفلامنغ.وكانت فترات الاضطراب والصراع هي الفترات اللاحقة للانتصارات الانتخابية للحزب الكاثوليكي. وكذلك كان فوز الكاثوليك بالانتخابات النمساوية عام 1945 سببا في إثارة المشاكل،لاسيما إنه كان ناتجا عن حرمان بعض القطاعات من حق الانتخاب لاعن كثرة عددية للكاثوليك. وفي اندنوسيا،كان فوز جزيرة جاوا بأغلبية ثلثي المقاعد سببا لإثارة السخط والتوتر بينها وبين الجزر الأخرى،وكان فوز ذوي الاصول الصينية سببا لنقمة المالاويين في ماليزيا وثورتهم.شذت سويسرا عن هذه القاعدة، ومايميز سويسرا هو إن الكاثوليك يشكلون أكثرية ساحقة في تسع كانتونات .
إلا أنهم لم ينفردوا بالهيئات التنفيذية للكانتونات بل شكلوا الائتلافات كما في.( أي كانتون لايمتلكون فيه الاغلبية .
ثانيا – صغر حجم الدولة:إن إمكانية تمتع الدولة التعددية بالاستقرار السياسي والاجتماعي، لاترتبط بإمكانية الوصول إلى قدر أكبر من التجانس الاجتماعي بقدر إمكانية حصول أكبر قدر من التعاون بين نخبها.ولصغر حجم الدولة أثره المباشر في مثل هذه المسألة،إذ تكون النخب قريبة من بعضها فتكون بينها في الغالب معرفة شخصية ولقاءات متكررة،فيزيد احتمال عدم تعاطيهم مع السياسة كلعبة صفرية، ويزيد من تقبلهم لفكرة الائتلاف في صنع القرار بدلا من الخصومة. وكل هذا أسهم في قيام ونجاح التوافقية في هذه البلدان صغيرة الحجم،بخلاف دول اخرى تعددية كبيرة كالولايات المتحدة وايطاليا والمانيا على الرغم من تعدديتها.ومع إن هناك من يرى إن صغر حجم البلد يستلزم أن يكون مخزونه من المواهب السياسية قليل جدا،في حين تستدعي التوافقية وجود قيادات بارعة،إلا أن صغر حجم النخبة السياسية يسهم بشكل كبير في خلق التفاعل بينها،ويؤدي إلى مستوى عال من حسن النية فيما بينها. لذا يعد صغر حجم الدولة عاملا مؤثرا على قيام ديمقراطية توافقية واحتمال نجاحها،لدوره في تعزيز روح التوافق والتسويات،وتخفيض اعباء صنع القرارات وتسهيل حكم الدولة على الحكومة .
ثالثا–وجود خطر خارجي: يدفع صغر حجم الدولة،علاوة على ماتقدم،إلى إيجاد حافز قوي نحو المزيد من الوحدة الداخلية، للشعور بالتهديد من الدول الأكبر حجما،الأمر الذي يدفع بالنخب والأتباع للتضامن.وفي كافة الانظمة التوافقية،لم تتخذ خطوات حاسمة تجاه هذا النظام إلا في ظل توترات دولية،أو وجود تهديدات تجاه البلد نفسه.ففي النمسا جاءت فكرة الحكومة الائتلافية كرد فعل على ولكن الانطلاقة الفعلية كانت – النزاع الاهلي الذي نشب في أثناء الجمهورية الاولى( ١٩١٩_1945) بعد الحرب العالمية الثانية يوم كانت قوات الحلفاء تحتل النمسا( ١٩٥٥ ). أما هولندا فقد حسمت لافاتها الداخلية وتوصلت لتوافق سلمي شامل مهد السبيل لقيام الديمقراطية التوافقية بعد أن اخذت الحرب العالمية الاولى عام ١٩١٧ تستعر على حدودها.
وفي بلجيكا كانت البداية مع كفاحها من أجل – الاستقلال،وخفت الوتيرة بعد ذلك،إلا أنها استؤنفت بقوة في أثناء الحرب العالمية الأولى( ١٩١٤_ 1917) بإدخال الاشتراكيين في حكومة ائتلافية. ولم تتوصل سويسرا للائتلاف الواسع إلا تحت تهديد الحرب العالمية الثانية، تهميش الاشتراكيين ويكونوا آخر الاطراف المنضوية في الائتلاف. إلا أن هنالك قيداً يوضع على اعتبار الخطر الخارجي عاملا ضاغطا باتجاه الوحدة بين المكونات، وهذا القيد يتمثل بأن تنظر كافة المكونات اليه بوصفه خطرا مشتركا ليكون له ذلك المفعول التوحيدي .
رابعا – الولاءات الغالبة: ينتظم المجتمع التعددي عوامل متعددة، منها مايدفع إلى التقسيم ومنها مايدفع إلى التماسك بين المكونات،فتعمل القوتان بصورة متزامنة،وتعتمد حدة الصراع على التأثير المتظافر للقوتين. فالانقسام الطبقي في هولندا لم يفتت القطاعات الكاثوليكية والكالفينية،ويرجع ذلك لقوة الروابط الدينية لا لضعف الانقسام الطبقي.في حين لاتتوافر هذه الروابط في المجتمع العلماني فيشكل الانقسام الطبقي حدا فاصلا بين الثقافتين الاشتراكية واللبرالية. وكذلك لم يفرق الانقسام الطبقي بين الكاثوليك الملتزمين دينيا،مع إنه كان عامل تفريق بين الاشتراكيين واللبراليين. وتصبح أهمية الولاءات الغالبة أكبر اذا ماكانت تسهم في عملية تماسك المجتمع ككل وتسهم في تلطيف حدة الانقسامات كلها. وقد تؤدي الروح القومية في المجتمع أحد الدورين،فقد تكون عاملا موحدا إذا لم تتطابق مع أي من الفئات. ويلاحظ ضعف الروح القومية في التوافقيات الاوربية الأربع مع إنها الأكبر في هولندا لأنها بلد عريق في تأريخه كأمة مستقلة،ففي سويسرا ترجح الولاءات المحلية على القومية. أما بلجيكا فان الشعور القومي فيها أضعف من أي بلد أوربي آخر، فالشعارات القومية البلجيكية تثير تداعيات سلبية بالنسبة للفلامنغ مثلا بخلاف رموزهم القومية , وفي النمسا أجاب نصف النمساويين في استطلاع للرأي بأنهم يعتقدون إنهم ينتمون للأمة الالمانية،فيما أجاب النصف الآخر إنهم أمة مستقلة. وقد تطابقت هذه الآراء بين الانقسام الكاثوليكي الاشتراكي في النمسا .
ولايمكن فرض مثل هذه الولاءات فرضا،فقد أثبتت كل التجارب فشلها،بل لابد من أن تكون موجودة اصلا،أو أن تولد لاحقا ،كتولد الشعور القومي بعد استقرار الدولة وازدهارها واقتناع الأفراد بمزية الإنتماء لها. ففي الولايات المتحدة كان الأفراد ينتسبون لولاياتهم حتى وقت متأخر من القرن العشرين،ومع بروز اسم الولايات المتحدة كدولة عظمى وترسيخ مكانتها الدولية، تولد الشعور القومي, وازداد بشكل كبير حتى باتت الغالبية تعلن بفخر عن انتمائها الأمريكي.
خامسا – الانقسامات المتقاطعة:بخلاف ماهو شائع عن الدول الاوربية،فإن التوجه الديني فيها أكبر مما هو متصور، أما التجانس الديني فإنه ظاهري أكثر مما هو فعلي. وفي هذه البلدان التوافقية الأربع ثمة علاقة قوية بين تفضيل الحزب السياسي والدين،إذ يمنح الكاثوليك في هولندا وبليجكا تأييدهم للحزب الكاثوليكي، والأمر نفسه في النمسا وسويسرا ولو بدرجة أقل نسبيا. أما البروتستانت في هولندا فإنهم يمنحون تأييدهم للحزب البروتستانتي والاتحاد التاريخي المسيحي. أما الاشتراكيون والليبراليون , فقد كان تأييدهم تبع للانقسام الطبقي. ويميل العمال الحرفيون إلى تأييد الاحزاب الاشتراكية،فيما يميل محترفو الأعمال التجارية لتأييد أحزاب لبرالية. تسهم هذه الولاءات المتقاطعة في إيجاد أحزاب بقواعد متقاطعة،كما هو الحال مع الاحزاب الدينية الهولندية. أما إذا تطابق تأييد الأحزاب مع الانقسامات الاجتماعية والسياسية فإن لذلك تأثيرا سيئا جداً على الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي والسياسي. وفي كل الأحوال المتقدمة، يتطلب الأمر أن تكون هناك واجهات لتمثيل مصالح الجماعات اللغوية أو الدينية، إذ يفسر النجاح البلجيكي بحل مسألة المدارس الدينية بوجود مؤسسات حزبية دينية ، في حين أخفقت بلجيكا لزمن طويل في حل المسألة اللغوية لعدم وجود أحزاب تمثل هذا الانقسام وترعى المصالح والمتطلبات اللغوية. ولهذه الضغوط المتقاطعة التي تولدها هذه الولاءات جانبين من التأثير، يقع الأول على الناخب فيدفعه للادلاء بصوت معتدل أو عدم التصويت أصلا، ولهذا فرض الانتخاب على المواطنين فرضا في بعض الدول كبلجيكا.
ويقع الثاني على الحزب فيدفعه للاعتدال في اتخاذ المواقف في المسألة المطروحة أو لزوم الحياد. لذا يقال (إن عددا من الصراعات الممكنةو لايمكن أن تتطور لأنها يمكن أن تمحى أمام أنظمة من التناقضات الأقوى)، زيادة على ذلك تسهم هذه الولاءات في منع حدوث استقطاب حول مكونين لاسيما في المجتمعات الثنائية.
سادسا – العزل القطاعي: قد يبدو تزايد عدم الاستقرار مرتبطاً بزيادة انعزال الفئات أو المكونات داخل المجتمع، إلا أن المختصين يرون خلاف ذلك،فيرون إن خطر التوتر الشديد إنما ينجم عندما تدخل هذه المكونات في صلات متداخلة. كما يرون إن الأيديولوجيات المتناقضة يمكن أن تكون مقبولة، من دون أن تحدث توتراً إذا ماكانت متباعدة غير متصلة, وهذا يعني خطورة فرض التجانس بالقوة على المجتمعات التعددية، بل يجب أن يكون الاتجاه نحو تطوير إحساس أعمق بالوعي والتجاوب بين وحدات ثقافية منعزلة، وأن لاتزيد الصلات الشخصية على مقدار التجانس الاجتماعي , وهذا ماتم تسجيله في بلجيكا التي تقل فيها العداوات كلما قلت الصلات الشخصية بين أفراد الثقافات المختلفة. لذا فان الحواجز الجغرافية تقوم بدور فاعل في هذا الإطار،وتسهم بشكل كبير في منع الاحتكاك والصراع. يمكن إذن أن تعيش الفئات المتخاصمة بسلام إذا لم يكن بينها اتصال،لذا يعد الاختلاط الجغرافي ظرفا سلبيا لإقامة الديمقراطية التوافقية،وهو عقبة كأداء في حالة التقسيم, من هنا تبرز أهمية الفدرالية في تحقيق هذا الانعزال الوقائي ويسجل إن النظام السويسري ممعن مع ذلك في اللامركزية واتباع سياسة كانتونية .
وكان هذا الاسلوب هو الوصفة السحرية السويسرية لحل كل المشاكل اللغوية والدينية. فكان تقسيم الكانتون أفضل طرق الحل السويسرية وأقدمها، فقسمت ثلاثة كانتونات لأسباب مذهبية أو لغوية أو بسبب انقسامات مدنية ريفية. ولم يكن تصويت الأغلبية ضد التقسيم لمرتين مانعا من تقسيم كانتون غراوبوندن،فعلى الرغم من أنه يتمتع بلامركزية داخلية عالية توصف بالفدرالية
الكانتونية(فدرالية داخل فدرالية)، إلا أن ثلاثة أقضية في منطقة (جورا) كاثوليكية ناطقة بالفرنسية في حين إن المناطق الاخرى بروتستانتية ناطقة بالألمانية، لذا تشعر الأولى بأنها في وضع أقلّوي مزدوج مع الامتيازات والصلاحيات العالية الممنوحة لها. ففي إحدى المستشفيات، تم تعيين ممرضتين مع الحاجة لواحدة فقط، بحيث تكون واحدة كاثوليكية والاخرى بروتستانتية حفاظا على التوازن .
سابعا – وجود تقاليد توافقية سابقة: إن وجود تقاليد توافقية سابقة تحمل القادة السياسيين على الاعتدال والتعاون،وقد تم تشخيص وجود تقاليد توافق سياسي في كل من سويسرا وهولندا سبقت عملية التحديث السياسي بزمن طويل،لذلك لاينظر للتوافقية في هذين البلدين على إنها إنما جاءت لاحتواء الانقسامات الفرعية،بل على إنها السبب السابق الذي حال دون تحول تلك الانقسامات الفرعية إلى انقسامات خطرة. كما إن وجود نزعة تاريخية نحو الاعتدال والتسويات يمكن أن تكون عاملا معززا لفرص قيام الديمقراطية التوافقية. وهذا ماحظيت به الدول الأوربية التوافقية الأربع فقد تكررت ممارسة الائتلاف الواسع في الحكم في الأقاليم والكانتونات قبل أن تنقل التجربة إلى المستوى القومي في كل من النمسا وسويسرا,فقد قبل إقليم برنا السويسري مثلا تمثيل الأقلية في المجلس التنفيذي للإقليم عام 1854 . يضاف لذلك كون هذه الدول الأربع لم تخضع لأنظمة حكم مركزية لفترات طويلة كباقي الدول الاوربية ،فضلا عن تأثرها بالتوافق الذي أتت به معاهدة وستفاليا لحل المشاكل بين البروتستانت والكاثوليك بالاتفاقات المتبادلة بدلا من التصويت بالأغلبية. فكان تشكيل الائتلاف الواسع في هولندا عام 1917 لحل نزاع "المدارس". في حين أدى خلو التجربة في يوغسلافيا السابقة من أية تقاليد توافقية ، فضلا عن تعصب الصرب إلى تفريطهم بمعظم أجزاء يوغسلافيا السابقة ودخولهم معها في حرب دموية .
ثامنا – وجود تنمية اقتصادية : تعد العلاقة بين وجود الديمقراطية والتنمية واحدة من أهم
الموضوعات التي شغلت الباحثين في ميادين الاقتصاد والعلوم السياسية، والذين تفرقوا في نظرتهم لهذه العلاقة في ثلاثة اتجاهات؛ينفي الأول منها وجود هذه العلاقة فيرى أن ليس من الضرورة أن تؤدي التنمية الاقتصادية لمزيد من الديمقراطية،فيما ذهب الإتجاه الثاني إلى أن زيادة النمو الاقتصادي تؤدي لزيادة المطالب الديمقراطية ،كما يرون إن للتنمية أثرا كبيرا على الاداء الديمقراطي. فيما يرى أنصار الاتجاه الثالث وجود العلاقة المتبادلة بين الاثنين، فيرون إن الديمقراطية تؤثر في النمو الاقتصادي، بافتراض إن الديمقراطية والحقوق والحريات المضمونة تقدم أفضل الفرص لضمان نمو عال ومستدام.وإلى هذا الرأي يذهب آدم سميث وأتباعه في المدرسة اللبرالية. ونتيجة للتداخل الشديد بين السياسة والاقتصاد في عالم الواقع، وتأثر كل من النظامين السياسي والاقتصادي أحدهما بالآخر، يمكن النظر للمؤسسات السياسية على أنها جزء من النظام الاقتصادي،كما يمكن النظر للمؤسسات الاقتصادية على أنها جزء من النظام السياسي،وهذا مايمكن ملاحظته بوضوح في الدول المتقدمة سياسيا وصناعيا أكثر من الدول الاخرى. لذا فإن أي تبدل جذري في النظام السياسي يصاحبه تبدل جذري في النظام الاقتصادي،وهذا ما أمكن ملاحظته بوضوح لدى قيام الأنظمة الشيوعية ولدى سقوطها .
وحول طبيعة العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية،يرى رواد الفقه الديمقراطي ، وجود علاقة تسلسلية بين الاثنين، إذ كلما كانت الدولة أكثر رفاها كلما تعاظمت فرص الديمقراطية، فيما يميل المجتمع المتخلف نحو الاستبدادية وحكم الفرد أوالقلة ويفسر هؤلاء ذلك بأنه كلما زاد عدد الأفراد الذين يتمتعون بزيادة المنافع المتحققة من التنمية الاقتصادية كلما زادت مطالبهم بزيادة الحرية الاقتصادية المؤسسة على الديمقراطية،يصاحب ذلك ارتفاع الدخل الذي يعني زيادة في الحصول على الخدمات والرفاهية كالتعليم وانتشار وحرية وسائل الإعلام، وهذا مايوفر العدد الأكبر من المطالبين بالحريات والحقوق المدنية والسياسية. لذا فإن احتكار المؤسسات الاقتصادية يقابله احتكار للمؤسسات السياسية وبالعكس،وهذا مايقود تدريجيا لقيام النظام الشمولي،الذي لايمكنه أن يتطور إلى نظام ديمقراطي يرى إن الأمة هي مصدر السلطات، أو يرى الفصل بين هذه السلطات ،أو احترام الحقوق والحريات،أو الإيمان بالتعددية .