حقوق الإنسان أم إنسان الحقوق
حقوق الإنسان أم إنسان الحقوق
تحت هذا العنوان نضم قسم اللغة العربية في كليتنا ندوة علمية ضمن دائرة نشاطات قسم اللغة العربية في موسمه الثقافي للفصل الدراسي الثاني حيث تم استضافت الأستاذ الدكتور (علي حسين الجابري) لإلقاء محاضرة علمية عن العنوان اعلاها وذلك صباح يوم الثلاثاء الموافق 5/5/2015 وعلى قاعة المعلم في كليتنا حضر الندوة العلمية الاستاذ المساعد الدكتور (منذر مبدر عبد الكريم) معاون شؤون الطلبة والاستاذ المساعد الدكتور (رياض عدنان محمد) رئيس قسم اللغة العربية وعدد من اساتذة القسم والكلية وطلبة قسم اللغة العربية، تضمنت المحاضرة المحاور الآتية:
أن الإنسان من حيث إنسانيته، ومدنيته، ومعقوليته، يتشكل من محركات ثلاث، غريزية، مادية، بدنية، وعقلية، منطقية؛ فلسفية، وإيمانية، باحثة عن الطمأنينة، والسلام الداخلي .. بعد ضمان حسن العلاقة بينه وبين هذا الوجود العجيب المتسع دوماً، والمبدد دوماً، في دائرة يعجز العقل الإنساني بأدواته المحددة، من الإحاطة بأسرارها ! من هنا تبدأ (مشكلة الإنسان ! المعرفي) لاحقة بالإنسان، الموزع بين (علاقة عضوية) ضرورية ورغبة في حرية الإدارة والاختيار، لتأكيد دوره الذي أريد أن يكون له بعدّه خليفة الله في أرضه.
وعليه فالإنسان بدناً له حركة وله حقوق وعليه واجبات، والإنسان عقلاً، دهشته وله غايته الإنسانية، والإنسان فؤاد، وقلباً له (خشيته) من الآتي والغامض والمجهول! ومن هذا المثلث للإنسان الثلاثة بلغات ثلاث، ودوافع قبلها ينهض مشروع الإنسان وحقوقه الفطرية في العيش الحرّ الكريم ، والاختيار والمسؤولية والغاية التي تربطه بمركز الوجود .
حقوق لا تؤذي أحد ، ولا تتجاوز على الغير ! يكملها ، حقوق مكتسبة ، شأنه شأن من يعيش معه على هذه الربوع ، حقوق المواطنة وواجباتها ، مثلما له صلة بالإنسانية التي تعيش على كرتنا الأرضية ! وفي هذه تختلف الحقوق والحدود ، والواجبات .
فأين المشكل في الإنسان وحقوقه ، وأين المعقد ، في حقوق الإنسان ، في زماننا هذا لا أريد في ذلك أن اعقد موازنة بين حقوق الإنسان الغربي ، وحقوق الإنسان عندنا لاختلاف معادلة المكان والمتمكن ، في ظل
أ. دولة الخدمات .
ب. دولة الحقوق .
ج. دولة الرفاه .
د. دولة الاستغلال الأمثل للزمن .
هـ. دولة الاستثمار الأفضل للذكاء .
ومن هذه المفارقة ، ننبه على مفارقة أخرى ، هي كون الحكومة ومؤسساتها ، هي مدار برامج مشاريع إنماء الإنسان ، والأخذ بيده ، إلى مستقبل منظور متفائل .
بخلاف ما لدينا من تشاؤمية تحكم الآتي ، وتشد الوعي ، والنظر ، إلى الأمس ، فيومنا منشغل بمشكلات أمسنا ، ولم يتيسر من الوقت ، ما تفكر فيه بمستقبلنا لهذا السبب ، بقي إنساننا .. ومؤسساتنا ، تركض وراء المشكلات المتوارثة ، على أمل معالجتها ، وما ان تنتهي من حلقة ، حتى تجد نفسها أمام حلقات من المشكلات المتجددة ، والمتفرعة عن المشكلات الموروثة والمتوارثة .
وهذا يعني عدم توفر فرصة لمفكرينا ، وكفاءاتنا ، وعلمائنا ، لالتقاط الأنفاس والنظر إلى الغد ! والاستعداد له .
هكذا هو انفعال دائم ، بلا فعل ! بل هي ردود أفعال ، وإلى ما شاء الله ! وهذا يعني أمراً آخر ، إن إنساننا ـ عانى من سيف الزمن ، وضغطه ، مادام ، يركض .. من غير أن يلحق بالآخرين ، مادام محصورا في جب (-1) وغيرنا وصل إلى (س11) .. فمتى يكون الانتقال من الحقوق ، من -1 ، إلى +1 ، بل متى يتوفر لإنساننا ، مناخاً ، يتيح للمؤسسات فرصة الدوران حول مشكلات ذلك الإنسان وهمومه لكي يخرج من ( دائرة الواجب ! والتبعية للموظف الحكومي ! ) إلى حالة ، إن الموظف والحكومة ، موجودان ، لخدمة هذا الإنسان ! ونضع ( المنة ) جانباً ، حين يراجعنا المواطن لقضاء متطلبات خيباته وأسبابها !
نعم ، نتحرر من الوصاية على الإنسان ، وننظر إليه ، مواطناً كامل الأهلية ، والاستعداد له وللآخرين من حقوق ، وعليه ، ما عليهم من واجبات ! كل حسب موقعه ، وتدرجه في سلم المسؤوليات ، هرم الحكومة والدولة الزمن ـ والقانون ـ والحق والواجب ، وحسن الانضباط .
وبالإمكان ، توزيع الحقوق على مسارين :
الأول : الحقوق الفطرية ، التي ليست بها حاجة إلى تشريع أو قانون ، أو تعليمات ، أو مراسيم ، مثل حق الحياة وحق التعليم ، وحق التملك ، وحق العمل وحق تكوين الأسرة ، وحق الترحال والسفر ، وحق التعامل مع الآخرين ، بما يضمن لهم أفضل الفرص .
الثاني : الحقوق المكتسبة ، وهي التي تمليها عليه ظروف العيش في ( مجتمع ) مادام الإنسان مدني بالطبع وما يتبع ذلك من احد. تقسيم العمل والتعاون .
اثنان.المشاركة في أعمال المؤسسات التي تنظمها السلطات ، التشريعية ، والقضائية والتنفيذية .
ثلاثة. وما يترتب على ( الدولة ) من حقوق ، وواجبات .
أربعة. وما يترتب على ( المواطنين ) من واجبات وحقوق .
خمسة. وما يترتب على ( الدولة ـ والحكومة بمؤسساتها ) والمواطنين ، من فرص للعيش الكريم على إقليم تلك الجماعة ( ووطنها ) ، من جهة الأفراد ، ومن جهة المنظمات ، ومن جهة الدوائر والمؤسسات ، من أجل توفير أسباب الحياة المزدهرة ، من خلال إيجاد المؤسسات المعنية ، بتوفير:
- المناخ التربوي والتعليمي ، وبناء الوعي للدارسين من الروضة إلى الجامعات وما بعدها
- المناخ الصحي ، بمستوياته ( الوقائي ) و( العلاجي ) .
- المناخ الأمن ، من الأخطار الطبيعية والكوارث والأخطار الخارجية ، والأطماع الأجنبية ، والأجندات التي تهدد مصالح الوطن والمواطنين ! أو تربك مشاريع السلطات التنفيذية ، أو تعيق تحقيق العدالة بين المواطنين .
- ضمان حفظ حق المساواة ، في الحقوق الإنسانية الفطرية ، والمدنية( المكتسبة ) وأمام القانون ، وفي التنقل ، داخل حدود الوطن ! أو خارجه لإكمال متطلبات إنماء الشخصية ، الذاتية والموضوعية والمعرفية .. وصولاً إلى حماية حقوق الفقراء ، والمستضعفين والمظلومين ! من سطوة ، الأقوياء ، بسلطتهم ، أو مالهم ، أو مركزهم … فلا أخطر على الهيئة الاجتماعية من سلطات مستبدة ، لا تتورع في استخدام القوة ، لقهر المعارضين ، والمظلومين .. والمهمشين ، بعيداً عن الفرعيات من الانتماءات ! وكوابحها ! .
- ضمان حرية الرأي والتعبير ، والانتماء لمنظومات أدبية ونواد اجتماعية ، وجمعيات علمية ، أو أحزاب ، أو حركات سياسية ( مشروعة ) ! وله حق مراقبة أداء الحكومة ! والتظاهر والاحتجاج ، وإبداء الرأي ، والتعبير ، بجميع الوسائل المشروعة ! إلى جانب حقوق الإنسان الأخرى ، المكفولة باللوائح الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1947 ، و 1949 ، ولواحقها ! .. في حق الشعوب بالنضال والتحرر من الاستعمار !
- حق حماية تراثها الحضاري ، والثقافي ، وحفظ ثروتها من السرقة والتبديد ، أو الهدر ! بما يضمن حق كل مواطن في هذه الثروات ( وحقه في نشر ذلك التراث ) .
- حماية البيئة الطبيعية ، والجغرافية ـ من جميع مظاهر التخريب ، والتلوث ، وسوء الاستخدام ، بما ينعكس سلباً على شخصية المواطن ، وحقوقه الفطرية .
- إن أخطر ما يواجهه الإنسان اليوم في ظل العولمة ! وإدارتها الادهوقراطية ، ومشروعها الفوضوي الخطير ، وهو ضياع الحقوق ، واختراق الحدود ؛ والفوضى الإعلامية التي تستهدف ( اختراع الأكاذيب ) لبث الفرقة والتناحر ، وانعدام الثقة بين أبناء الوطن الواحد ، وشركاء الأمس واليوم والغد ، في السرّاء والضراء ! والمدافعين عن حقوقهم ، المشروعة لإنقاذ الإنسان
- أ.الفقر المصنع ، وسرقة الثروات من قبل الشركات الكبرى .
- ب.ثقافة الكراهية ، وما تتركه من آثار سلبية على وحدة المجتمعات .
- ج.صناعة الموت ، وإثارة الحروب والصراعات ، والصدامات التي تنعكس سلباً على ( فرص الحياة التي من غيرها يتعذر على الإنسان ، بناء أسرته ، وشخصيته ، وتثمير إمكاناته وتطويرها ) إن أخطر ما يتعرض له أبناء البلدان ( الثرية ـ المتخلفة ) في ظل العولمة وإدارتها الادهوقراطية وفوضاها أللأخلاقة هو ( تشويه الهوية ) و( تدمير الشخصية ) وقطع جذور الانتماء مع الأرومة الوطنية والاجتماعية والعقيدية والإنسانية ، لأغراض الترويج للحروب ، وتشجيع تجارة أسلحة الحروب والدمار المتنوع ! وتفكيك الشعوب خدمة لصانعي أدوات الموت والمتاجرين بها والطامعين بثروات الأمم ( المتخلفة ـ النامية ! ـ الجنوبية ) !
- إن أخطر ما يهدد الإنسان في البلدان النامية :
أ. تبديد الزمن ، ب. هجرة الكفاءات ، أو تهديدها وقتلها ، لحرمان المجتمع من خبرتهم ، من جهة أو لتكون هذه الكفاءات ، في خدمة الأجنبي ، القريب أو البعيد ؛ بعد حرمان الموطنين من جهودها ! خمسة آلاف طبيب ! عراقي ـ في لندن فقط ! .. مع ما في الوطن من حاجة لخدماتهم أو كما قتل ( أكثر من 500) أستاذ وكفاءة ! .
- تحرير الإنسان والسلطة والدولة ، من النزعة الاستهلاكية ! والاستيراد ، والبقاء على اقتصاد وحيد المورد ! سرعان ما تنهار ( قوة الدولة ) عند انخفاض أثمان ما في السوق العالمية ! وهذا حق من غير ضمانه ، يتدمر الاقتصاد الزراعي والصناعي وحركة التجارة والأسواق ، وتتبدد فرص النمو ! وتتسع البطالة ، ويتحوّل الجائع ، والعاطل ، والبطال ، إلى عنصر سلبي ، يهدد الأمن والأمان ، إذا لم يكن صيداً سهلاً ، لتجار المخدرات ، والإدمان والحبوب ! والكبسلة ! مما يضيف عبئاً على كاهل الوطن والمواطنين ، فالفراغ مفسدة ! للنساء والرجال ، ناهيك عن الآثار السلبية التي تتركها ، الفضائيات ، والإعلام المرئي والمسموع والمقروء على علاقة المواطن مع أسرته ومحلته وكليته وجامعته ووطنه ! .. إن الأسباب ( الطاردة ) الواقعية والمفتعلة ، تشكل نزيفاً دائماً لطاقات الوطن والمواطنين ! وتنتهي بهم إلى هجرة دائمة ، وفقدان لخبرات ، بنا حاجة إليها في عملية إعادة البناء !
نعم ، فلا زمننا ( المستقبل ) واضح ، ولا واقعنا ، يحث على التنافس الشريف ! بسبب حجم الفساد والإفساد والتزوير ، والتزييف وحالات الإحباط التي تحاصر الإنسان ، فتنتهي به إلى ( حافة اليأس ) وإن كان من أشد المتفائلين .
والأكثر خطورة من هذه المحبطات ، تلك الظواهر السلبية التي تركتها ( المحاصصة ) بين السياسيين مما جعل درجات التعيين ، حكر على جماعاتهم ، وليس أمام الخريج المستقل والشريف إلاّ :
أ. الهجرة .
ب. البحث عن مظلة ، هو لا يرغب بها لكي يحصل على فرصة للعمل ، ولاسيما حملة الشهادات العليا ، أو الوقوع ، في مصائد المغفلين .. أو الشلليات أو مروجي المخدرات ، أو المدمنين عليها ، هذا من الشباب ، أما الشابات فأمرهن ، أعقد وأصعب .. جميع ذلك يجعل الإنسان ـــــــــ ، على مشرط الحقوق المهدورة ! مع ضعف منظمات المجتمع المدني والجمعيات ، وما له صلة بالنوادي الشبابية .
إن بنا حاجة إلى ثورة في حقل بناء الإنسان وإعادة تأهيله ، ومعالجة الظواهر السلبية التي تحاصره ! قبل الاهتمام ببناء الجانب المادي من الوطن .
نعم ، فللبيئة حق علينا ، الإصلاح ـــــــــــ والحماية ، لكي ينمو أطفالنا في مناخ ملائم وذلك أمر يطول شرحه .