التدوين التاريخي عند العرب:
كان الاهتمام قبل الاسلام بالايام والانساب ولذا كانت الروايات الشفوية والقصص والاخبار تعتبر ملكاً مشتركاً للعائلة او القبيلة ولم تكن من اختصاص الافراد، وكان طبيعياً ان تتسم بالمبالغة والفخر ةغير ذلك مما يلائم الاوضاع الاجتماعية السائدة لديهم حول الحسب والنسب.
واستمر هذا الوضع بعد ظهور الاسلام لكن تركز الاهتمام بعد ذلك على دراسة سيرة الرسول وسيرة اتباعه والكتابة في المغازي والغزوات وكان كتابه السيرة المغازي يجمعون الروايات ويرتبونها حسب الاحداث والسنين بعد التقديم لها بمقدمة في التاريخ القديم قد يذهبون فيها الى الوفان او خلق الانسان.
وقد يسوقون الحوادث كقصص مرتبة تاريخها ويدونونها مستندة الى مصدرها الاصلي، ومن ثم برز الاسناد كعامل هام في كتابة التدوين التاريخي في هذه الفترة فقيمة الرواية او الحديث تتوقف على مدى سلامة الاسناد وتسلسله واستخدام هذا الاتجاه الطبري وابن مسكويه وابن الاثير وابو الفداء وغيرهم ويثير روزنتال الى ان علماء الحديث والفقه كانوا يهتمون بالدرجة الاولى (بالاسانيد) وكان لذلك اثره في كتابة التاريخ وفي الكتاب والمؤرخين، حتى ان السيوطي (ت1505م) يقول انه ليس في جميع مؤلفاته الكثير خير او رواية او رأي لم يدعمه بالاستشهاد وكان النقد او ( الجرح او التعديل) كما كان يطلق عليه منصباً على المواة، وارتبط علم التاريخ من البداية بعلم الحديث وتأثر به فقد بدأ التاريخ كفرع من فروع الحديث واتبعوا طريقة علماء الحديث في تدارس امهات كتب التاريخ من حيث تلاوتها وتكرار سماعها واجادتها، حدث ذلك مثلاً في مغازي الواقدي وامثاله من كتب الاصول ولقد تعرض كتابه السيرة والمغازي في هذه الفترة لما تعرض له المحدثون من رواة الحديث وكتابة من تمحيص ونقد وجرح في ضوء النظر الى الاسانيد ومصدرها، ويضع ابن خلدون مقاييس لذلك فبذكر ان الامر يرجع الى كيفية اخذ الرواة بعضهم عن بعض بقراءة او كتابة او متداولة ويذكر ان اهل الحجاز استشهدوا بالدقة في الاسناد لاستبدادهم في شروط النقل من العدالة والضبط ونجا فيهم عن قبول المجهول.
كما يتحدث عن ائمة الحديث- الامام مالك والامام محمد بن ادريس الشافعي والامام احمد بن حنبل وامثالهم وعلى هذا الاساس رتب ابن خلدون الحديث الى صحيح وحسن وضعيف ومرسل ومنقطع ومتصل وشاذ، وبنفس هذا الاساس رتبت النظرة والتقييم لكتاب السيرة والمغازي، وشك في ان الاهتمام بالاسناد والنظرة النقدية لما يروى ويكتب عن غزوات الرسول وغيرها من الاحداث التاريخية وغربلة الكتابة بهدف الوصول الى الحقيقة وضع الاس الاولى لعملية ( النقد التاريخي) على ان ظاهرة النقد والتحليل والتعليل وربط النتائج بالمقدمات اخذت تنتشر اكثر عندما تعرض المؤرخون العرب للاحداث التي المت بالدولة العربية فاخضعتها وادت لتفككها وجعلتها قطعاً لاعدائها وهي المبادئ التي اخذت تثار في المجتمع الاسلامي واقعاً لمزيد من التفكير والبحث والكتابة، فمشاكل الشورى وفكرة الدولة ووضع الموالي في الدولة والردة والفتوحات ودور القبائل فيها وغير ذلك من المشكلات والحوادث التي اجتاحت العالم الاسلامي اتاحت مادة الكتابة التاريخية وفرصة للتحليل والتعليل وهناك بعض العوامل التي اثرت على الكتابة التاريخية عند العرب وهي :
- الظروف الاجتماعية والثقافية السائدة في شبه الجزيرة قبل الاسلام فقد ترتب عليها اهتمام العرب (بالايام والانساب) واستمر هذا الاهتمام بعد ظهور الاسلام وكانت (الرواية الشفوية) هي الوسيلة التي تناسب الوضع الثقافي السائد في ذلك الوقت وكانت المبالغة والاشادة بالبطولاتوغير ذلك مما قد لا يساير المنطق شيئاً طبيعياً يردده الرواه وتناقلته الاجيال دون نقد او محاولة تجريح .
- الظروف الخاصة ببعض جهات شبه الجزيرة كاليمن في الجنوب والحيرة في الشمال ، فقدوجدت بعض النقوش على المباني القديمة في اليمن تحكي اخبار ملوكهم وامورهم العامة التي تدل على نوع من الاستقرار والتقدم الاقتصادي، كما ان ما عثر عليه في كنائس واديرة الحيرة يصور اخباربصور اخبار ملوك الحيرة ويعطي فكره عن ظروف هذه البلاد السياسية والاجتماعية .
- وفي المدينة المنورة كانت دراسة سيرة الرسول وسيره اتباعه والمغازي والغزوات واقعاً كبيراً للكتابة التاريخية وقد اتخذت الكتابة في هذا المجال مسار علوم الحديث من حيث الاسناد ومحاولة تحري الحقيقة وتنقية الاحداث عن واقعها.
- وتأثرت الكتابة التاريخية عند العرب ايضاً بالمشكلات التي احاطت بالامة العربية كالشورى ومسألة الخلافة وظهور الاحزاب السياسية والشعوبية والصراع بين العرب والموالي.
- ان انتشار القبائل العربيةفي الامصار نقل مركز الثقل الى جهات اخرى خارج شبه الجزيرة العربية وبالطبع اثر هذا في الكتابة التاريخية.
- ففي العراق ظهر الاهتمام من جديد بالقبلية وامجادها، كما ظهرت مؤشرات جديدة في الكتابة التاريخية تربحة تأثر العرب في هذه البلاد بتيارات اخرى فارسية.
- ادى التصادم بين المبادئ والافكار لمبدأ القدرية او حرية الارادة ومبدأ الجبر الذي تبناه الامويون، بالاضافة الى المشكلات المتعددة التي اثيرت في ذلك في كتابات مؤرخيالقرن الثالث الهجري على وجه الخصوص .
- على ان نشأة الدواوين وتطورها خاصة بعد ان اتسع نطاق الدولة العربية وشعبت مشاكلها اوجد سجلات رسمية ومصادر اصلية للكتابة التاريخية استخدمها واستند اليها كثيرون من المؤرخين.
- وكان اهتمام المؤرخين العرب مركزاً في البداية على شؤونهم وما اتصل بهم من دول، ثم اتسمت الكتابة التاريخية بشمول اكثر يمثل وحدة التاريخ وتكامله.
- ولا شك في ان المؤرخين العرب كان لهم دورهم في ارساء بعض المبادئ الهامة في الكتابة التاريخية كالاهتمام بذكر المصادر.
- ولقد شدد المؤرخون المؤرخون المسلمون على ضرورة الامانة والدقة في النقل.
اما اهم الموضوعات التي تناولها المؤرخون العرب فهي:
- حياة النبي (r) من ولادته ونشأته ودعوته الى الاسلام وجهاده مع المشركين وغزواته.
- تاريخ الحوادث الاسلامية من حروب بين بعض المسلمين وبعض الشعوب الاخرى.
- الانساب .
- تاريخالامم الاخرى التي التي احتكوا بها من فرس وروم ونحوهما.
- تاريخ الاديان الاخرى كاليهودية والنصرانية.
- تراحم الرجال .
- الاخبار وقد اطلق على رواتها اسم (الاخباريون) مثل الهيثم بن عدي الطائي الكوفي الاخباري وقد يكون اساس الحادثة التي يرونها صحيحاً لكنهم عادة يكملون من خيالهم.
ان الكتابة التاريخية عند العرب بعد الاسلام مرت في اطوار مختلفة وهي :
- القصص والاساطير الشعبية.
- مؤرخو السيرة والمغازي.
- منذ اوائل القرن الثالث الهجري توفرت المصادر الاصلية للمادة التاريخية لخدمة المؤرخين العرب فقد استقرت دواوين الدولة العباسية (ديوان الانشاء وديوان الجند والخوارج والبريد … الخ)وتسير للمشغلين بالتاريخ ان يرتقوا مما في هذه الدواوين من المرسلات الرسمية او العهود او الاحصاءات.
- لما تعرضت الدولة العباسيةللحركات الانفصالية وتداعت الوحدة السياسية للدولة وانفصلت عنها في الشرق والغرب دويلات متعددة تأثرت الكتابة التاريخية بهذا التفرق السياسي الذي اصاب الدولة، فبعد ان كانت حاضرة الخلافة هي مركز الحركة الثقافية ومحورها تعددت المراكز وتنافست بغداد واصفهان وحلب والحوافر المصرية والقيروان وقرطبة وغيرها.
- تعرض العالم الاسلامي بعد ذلك للاطماع الاجنبية فاغار الصليبيون في القرن الخامس والسادس الهجري، كما اغار التتار على عاصمةالخلافة العباسية ودمروها.
- ان التطور الهام في التدوين التاريخي عند العرب يتمثل في النظرة للتاريخ علىانه علم له اصوله في البحث والكتابةويعتبر ابن خلدون في مقدمة الذين نهجوا هذا النهج ونادوا بهذا المبدأ.
ومن اهم مدارس الحركة التاريخية عند المسلمين هي :
- المدرسة اليمنية.
- .المدرسة الحجازية في المدينة ومكة المكرمة .
- المدرسة العراقية في الكوفة والبصرة وبغداد.
- مدرسة التاريخ في مصر والشام.
- مدرسة التاريخ في قرطبة (الاندلس).
المصادر :
1. حسنعثمان،منهجالبحثالتاريخي،دارالمعارف،ط13،القاهرة، 1993 .
2. شوقيالحمل،علمالتاريخنشأتوتطورهووضعهبينالعلومالاخرىومناهجالبحثفيه،الطبعةالاولى،مكتبةالانجلوالمصرية،القاهرة، 1982.
3. محمدمصطفىصفوت،التاريخاهميتهوطرقتدريسه،مجلةالعلوم،القاهرة، 1942.
4. حسنعثمان،كيفيكتبالتاريخ،مجلةالرسالة،القاهرة، 1941.