مادة اوربا في القرن العشرين
قسم التاريخ
المرحلة الثالثة
المحاضرة الثانية
القاء المدرس المساعد :احمد محمد جاسم الدايني
العلاقات الأوربية _ الأوربية وأثرها على الصعيد
الدولي بين عامي (1920_1929)
أولاً /القضية الألمانية
كانت لهذه القضية أهمية كبيرة وذلك لتأثيرها على مستقبل القارة الأوربية وخلال ذلك الوقت كان يراد معرفة ما إذا كانت الدول ستفرض على ألمانيا تنفيذ بنود معاهدة فرساي تنفيذاً كاملاًأم لا , لاسيما إن معاهدة فرساي التي نصت على إن تدفع ألمانيا التعويضات والتي عدت بعض الدول الأوربية هذه القضية الأولى بالنسبة لسياساتها اتجاه ألمانيا ،لكن المعاهدة لم تحدد مبلغ التعويضات الواجب على ألمانيا دفعه ،وبعد عدة مؤتمرات دولية حددت لجنة التعويضات في 15 أيار 1921 مجموع ما يجب أن تدفعه ألمانيا وكان 132 مليار مارك ألماني ذهبي ، والقضية الثانية هي الأمن لقد قررت معاهدة فرساي إن يحدد الجيش الألماني بـ 100,000 ألف جندي وان لا يجهز ألا بعدد قليل من العتاد وان تحتل منطقة الراين الألمانية من قبل الحلفاء مدة 15 عام وبعد ذلك تكون خالية من السلاح وأما القضية الثالثةفهـي قضية الاتشاوس أي قضية اتحاد النمسا مع ألمانيا ومعاهدة فرساي حالت دون هذه الوحدة وكانت هذه القضية هامة جداًلان انهيار إمبراطورية النمسا – المجر ترك فراغاً سياسياً من الصعب ملئه , وكانت فرنساأكثر الدول اهتماماً بالقضية الألمانية إذ كانت ترجو الحصول على التعويضات والحفاظ على الضمانات التي تمنع ألمانيا من تكرار اعتدائها على الأراضي الفرنسية ولكن من الصعب متابعة هذين الهدفين إذ كان يجب على ألمانيا إن تقوم بدفع التعويضات وهي لا تستطيع ذلك إلا بعد إن تسترجع إنتاجها الصناعي واستئناف قوتها الاقتصادية والنتيجة الحتمية لعودة الاقتصاد الألماني هي زيادة القوى الحربية الألمانية ، ومن جهة أخرى كانت فرنسا لا تريد إن تسترجع ألمانيا مكانتها لكي تلعب دوراً هاماً في أوربا , وللوصول إلى هذا الهدف أبرمت فرنسا اتفاقيات ثنائية مع بولونيا عام 1921 وجيكوسلوفاكيا عام 1924 ويوغسلافيا عام 1927 ، من اجل تطويق ألمانيا سياسياً وعسكرياً.
أما بالنسبة لبريطانيا فقد تبنت وضعاً مختلفاً تماماً لموقف فرنسا فأنها لم تعلقأهميةكبيرة على دفع التعويضات فحصتها من التعويضات كانت 22% ،على عكس فرنسا التي كانت حصتها تبلغ 52% لكن بريطانيا كانتتخشى من إن عدم دفع التعويضات من قبل ألمانيا ربما يؤخرعودة الحياة الاقتصادية إلى أوربا كما إنها ليس لها حدود مع ألمانيا تخشى منها بل أنها كانت على العكس تحذر من هيمنة فرنسا على القارة الأوربية .
أما ايطاليا فقد كانت لها اهتماماتها المغايرة تماماً لاهتمامات فرنسا فهي ليست لها حدود مع ألمانيا وكانت تهتم بقضية بحر الادرياتيك وقضية نهر الدانوب , ولكنها مع ذلك كانت تخشى على نفسها من انضمام النمسا إلى ألمانيا وكانت تنظر بعين الحذر إلى المعاهدات الثنائية التي عقدتها فرنسا مع الدول الصغرى ، فضلاً عن إن ايطاليا كانت لديها خلافاتها مع فرنسا على البحر المتوسط ، وهكذا نرى إن فرنسا كانت الدولة الأولى التي تهتم بالقضية الألمانية , الأمر الذي قاد إلى انشقاق بين الحلفاء بين عامي 1922 إلى 1929 فيما يتعلق بالقضية الألمانية وان السياسة الخارجية الفرنسية كانت بين نزعتين احدهما تقضي بان تفرض على ألمانيا تنفيذاً تاماً لمعاهدة فرساي والأخرى تقديم بعض التنازلات عسى إن يقودها إلى صلح نهائي مع ألمانيا .
قضية التعويضات
ترتبط قضية التعويضات بالمشكلة الألمانية وخصوصاً بالموقف الفرنسي حيث تركزت الجهود الفرنسية في النهاية على الحصول على التعويضات وقد سارت هذه القضية في ثلاث مراحل، المرحلة الأولى كانت في 5 أيار 1921 وفيها حددت لجنة التعويضات مبلغ 132 مليار مارك ذهبي يجب إن تدفعه ألمانيا كما عينت في الوقت ذاته المواعيد التي يجب إن تدفع فيها ألمانيا ، وفي نهاية الشهر دفعت ألمانيا مليار مارك ذهبي وهو مقدار القسط الأول ولكن عندما بحثت قضية القسط الثاني من التعويضات صرحت الحكومة الألمانية بأنها يستحيل عليها الدفع لان قيمة المارك قد انخفضت وقررت الحكومة البريطانية إن تمنحها بعض الوقت بينما رأت فرنسا اتخاذ عقوبات جديدة ضد ألمانيا ، ولكن عندما أحست فرنسا بان ذلك سيتسبب في خلاف لها مع بريطانيا أبدت رغبتها في البحث عن حل وسط مع ألمانيا , لذلك دعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر اقتصادي مشترك تشترك فيه الدول الأوربية لبحث شؤون القارة الاقتصادية والمالية .
سياسة العقوبات
أما المرحلة الثانية كانت في عام 1922عندما استلم ريمون بوانكاريه رئاسة الوزراء في فرنسا رفض إعطاء مهلة إلى ألمانيا إلا إذا أخذت فرنسا مقابل هذه المهلة ضماناً واضحاً مفاده وضع مناجم الفحم الألمانية في منطقة الروهر بأيدي الحلفاء حتى يستطيعون استثمارها لصالحهم ومنها يأخذون التعويضات ، واعترضت بريطانيا على ذلك واعتبرته يضر بحياة أوربا الاقتصادية ولكن فرنسا قررت إن تحتل منطقة الروهر وتديرها بنفسها في 11 كانون الثاني 1923 وتستثمر أنتاجها من الفحم لصالحها , واحتجت بريطانيا والولايات المتحدة على التصرف الفرنسي , من جانبها قررت الحكومة الألمانية شل الحياة الاقتصادية هناك لتمنع فرنسا من استثمار مناجم الفحم وأعطت أوامرها إلى الموظفين الألمان ومستخدمي الخطوط الحديدية إن يمتنعوا عن تقديم الخدمة إلى الفرنسيين , وهو ما عرف بالمقاومة السلبيةووجدت فرنسا نفسها أمام هذا الوضع المضطرب بالإضافة إلى أنها واجهت مقاومة فعلية من الألمان ومحاولات اغتيال لرعاياها ، ولكن مع ذلك استطاعت فرنسا إن تستثمر منطقة الروهر بجهودها الخاصة وكبدت ألمانيا نفقات جسيمة لأنها كانت تدفع رواتب لموظفيها العاملين في منطقة الروهر وهذا ما جعل المارك الألماني يعاني من انهيار كبير بين نيسان وأيلول 1923 وقررت الحكومة الألمانية إنهاء المقاومة السلبية والاستسلام للأمر الواقع وأعلنت إن احتلال الروهر قد انتهى بانتصار فرنسا واستسلام الحكومة الألمانية ولكن مع ذلك لم يكن نصراً كاملاً لان احتلال الروهر لم يؤدي بألمانيا إلى دفع التعويضات لان انهيار عملتها جعل دفع التعويضات أصعب بكثير عن السابق ولذلك فان فرنسا لم تستفد شيئاً من احتلالها الروهر ومن جهة أخرى طالبت بريطانيا وألمانيا بعقد مؤتمر لدراسة التعويضات الألمانية قبلته فرنسا أخيراً الذي قرر تشكيل لجنة دولية للبحث في قدرة ألمانيا على الدفع .
هنا قد بدأت مرحلة الثالثةفي التعامل مع القضية الألمانية
بدأت هذه المرحلة الجديدة بعد انتخابات أيار 1924 في فرنسا والتي أدت إلى سقوط حكومة بوانكاريه وانتصار اليسار فتبدلت الظروف في فرنسا حيث رجع ارستيد بريان إلى وزارة الخارجية والذي رأى إن الانشقاق بين فرنسا وحلفائها بدء يتسع وان فرنسا لا تستطيع وحدها إبقاء ألمانيا في حالة عزلة ولذا فكر بقيام تعاون فرنسي ألماني ،فجرت عدة محاولات خلال هذه الفترة لتوافق بين فرنسا وألمانيا وكان أهمها :
(1)مشروع دوز 11 آب 1924
كان رئيس وزراء فرنسا بوانكاريه قد قبل تشكيل لجنة دولية للبحث في قدرة ألمانيا على الدفع وتشكلت هذه اللجنة من خبراء دوليين برئاسة الجنرال الأمريكي دوز وأنهت أعمالها ووضعت مشروع عرف باسم مشروع دوز بينت فيه ما يمكن إن تدفعه ألمانيا في 5 سنوات فقط على إن يبدأ الدفع من مليار مارك ذهبي في السنة الأولى إلى 2500 مليون في السنة الخامسة ، هذا ويجب على ألمانيا إن تقوم بتامين الخطوط الحديدية الصناعية الألمانية ويكون هذا الالتزام مطفئ للدين واضطرت ألمانيا إلى التسليم وان تعقد مع الولايات المتحدة الأمريكية قرضاً بلغت قيمته 800 مليون مارك ولكن مشروع دوز لم يحدد السنوات التي يجب على ألمانيا إن تؤدي دينها بل اقتصر على خمس سنوات فقط ولذا فانه كان حلاً مؤقتاً وفي خلال الخمس سنوات المقررة نفذ المشروع بدقة غير إن ألمانيا ما كانت لتدفع لو لم تعقد قرضاً من الخارج الذي مكنها من إن تفي بدفعدين التعويضات الذي قررته لجنة دوز .
(2)معاهدة لوكارنو
بعد اتفاق دوز , اتفق المستشار الألماني شيتر سمان مع اللورد ادرتون سفير بريطانيا في ألمانيا بان يقترح على الحكومة الفرنسية في 9 شباط 1925 إبرام اتفاق متبادل تتعهد بموجبه فرنسا وألمانيا باحترام حدودهما المشتركة , لاشك بان هذا الاقتراح يعود بالفائدة على ألمانيا لأنها تخشى إن تعود فرنسا مرة ثانية على المدى القصير إلى سياسة مشابهة لسياستها باحتلال منطقة الروهر وتعاود من جديد التدخل العسكري في الأراضي الألمانية لذا فان هذا التعهد المتبادل في احترام الحقوق يجعل ألمانيا في مأمنمن فرنسا وأدت المفاوضات إلى اتفاق لوكارنو الذي وقع في 16 تشرين الأول 1925 وتضمن وعد بإبقاء الحالة الراهنة فيما يتعلق بحدود ألمانيا مع فرنسا وبلجيكا ووضع هذا التعهد تحت ضمان جماعي وفردي من قبل الدول الموقعة بما فيها بريطانيا وايطاليا واتفقت الدول على إن لا يبدل هذا الوعد شيء في منطقة الراين المنزوعة السلاح ووعدت كل من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا إن لا تقوم بهجوم وان لا تبادر إلى الحرب إلا في حالة التي تخرق فيها ألمانيا وضع المنطقة المحرمة ، لقد أعطت هذه السياسة ضمان للأمن واستفادت منها ألمانيا لأنهاأصبحت على يقين بان فرنسا لن تعاود احتلال الروهر،وكان أول ثمار اتفاق لوكارنو في 26 كانون الثاني 1926 المتضمن في إجلاء قوات الاحتلالمن الروهروقبول ألمانيا في عصبة الأمم في 28 أيلول من العام نفسه .
ثانياً / القضية الروسية
بعد إن هدأت الحرب العالمية الأولى بالميدان لم تهدا الحالة في روسيا كان أمام البلاشفة الذين تسلموا السلطة الكثير من الأعداء في الداخل ( الطبقات العليا ورجال الدين والجمهوريين المعتدلين )الذين كانوا يحاولون القضاء عليهم ، واستمر التصادم بين الطرفين ثلاث سنوات ولم يكن لتلك المعركة بين البلاشفة وأعدائهم إن تستمر طويلاً لولا إن وجد الحلفاء وسيلة للتدخل إذ عزموا على مساعدة الأحزاب البرجوازية التي تريد مواصلة الحرب والعودة إلى الجبهة الشرقية وفي الوقت نفسه اخذ الحلفاء يرسلون المال والرجال لاستخدامه ضد الجيش الروسي الأحمر(( جيش الثورة الروسية الجديدة )) ورأى الحلفاء حرمان البلاشفة من الموارد الحربية الضخمة إلى سبق إن أرسلوها إلى المناطق التي كانت تحت تصرف الروس قبل نهاية الحرب لذا شددوا الحصار على الحدود الروسية وأرسلوا فرقاً من جنودهم إلى حدود روسيا , وكانت فرنسا اشد الحلفاء سخطاً على ثورة البلاشفة التي قضت على التحالف الفرنسي – الروسي وأضاعت عليها الديون الطائلة التيأقرضتها للحكومة الروسية السابقة والتي جاء البلاشفة وأعلنوا عدم ارتباطهم بها , وفي 5 نيسان 1918 ( أي بعد شهر من صلح بريست ليتوفسك ) سيطر الحلفاء على البحر الأسود وسيطروا على ميناء الاوديسا , واحتلت بعض الفرق البريطانية أجزاء من أراضي القوقاز وعلى باكو عاصمة أذربيجان وجعلوها مكاناً لتجميع العناصر الروسية المعادية للبلاشفة وكذلك للسيطرة على منابع النفط في أذربيجان وانتهزت جماعة من الوطنيين في استونيا ولتوانيا وفلنده والقوقاز ولاتفيا تلك الفرصة لتعلن استقلال تلك الولايات وحتى رومانيا فان قواتها احتلت إقليم باسارابيا ،أقدمتالعناصر الروسية المعارضة المتمثلة بالجيش الأبيضعلى تنظيم قواتها بمساعدة الفرق الأجنبيةلإقامة حكومة , وفعلاًتأسست في نورماسك واركانجل حكومة روسيا الشمالية المؤقتة وقام الجنرال الكسندر كولجاك Kogakقائد الأسطول الروسي السابق في البحر الأسودبتأسيس حكومة روسية أخرى في اومسك في سيبيريا بمعاونة الحلفاء وحذا غيرهم من القادة الروس المناوئين للنظام الجديد حذوهم وأسسوا حكومات أخرى في جنوب روسيا وجنوب أوكرانيا وجزيرة القرم ولما اشتد القتال بينالجيشينالأحمروالأبيض وجـــد البلاشفة إن وجــــود القيصـر نيقولا الثاني Nicholasوأسرته في معتقلاتهم بالقرب من بتروغراديشجع العناصر المعادية للثورة ويفتح لهم باب الأمل للرجوع إلى الحكم القيصري , فأرسل القيصر وأسرته إلى إحدى مناطق الاورال وفي منتصف 1918 استطاعت بعض قطاعات الجيش الأبيض إن تتخذ طريقها إلى تلك المنطقة فأسرع بعض الضباط المؤيدين للبلاشفة إلى مقر القيصر وأعدموه مع أسرته رمياً بالرصاص في 17 تموز 1918 , ولما وجد البلاشفة إن المتآمرين يحيطون بهم اعدوا أنفسهمللدفاع عن الثورة واعتمدوا على قوتين الأولى فرقة جيكا والثانية هي الجيش الأحمر فبالنسبة إلى فرقة جيكا فقد تأسست بعد ثورة أكتوبر كجهاز للشرطة السرية للحفاظ على الأمن لكنها سرعان ما تحولت إلى أداةإرهاب لمحاربة العناصر المعادية للثورة البلشفية وكان من حق أعضاء جيكا إن يقضوا على العناصر التي يعتبرونها معادية ومحاكمتهم وإعدامهم أما الجيش الأحمر فقد بذل ليون تروتسكي احد قادة الثورة قصارى جهده لتنظيمه وإعداده كي يستطيع التغلب على قوات الجيش الأبيض التي سلحها الحلفاء بأحدثالأسلحة وسرعان ما أصبح الجيش الأحمر على أهبة الاستعداد لصد الخطر الأجنبي عن البلاد وفي عام 1919 حقق الجيش الأبيض بعض الانتصارات حتى أصبحت مدينة بتروغراد على مرمى مدفعيته ولكن الجيش الأحمر تمكن من استلام المبادرة بالهجوم واسترد المدينة وأخيراً اضطر الحلفاء إلى سحب قواتهم في أواخر عام 1919 وفي العام التالي رفع الحصار على روسيا ولم يتبقى إلا مدينة فلافدستك على المحيط الهادئ والتي بقيت فترة من الزمن تحتلها القوات اليابانية ، وتمكن البلاشفة من طرد الحكومات المعادية التي تشكلت في أوكرانياوروسيا البيضاء وقبضوا على زمام السلطة في القوقاز وأذربيجانوأرمينيا وجورجيا حيث تشكلت فيها حكومات مؤيدة للنظام السوفيتي الجديد أما سيبيريا فقد استطاعت قوات الجيش الأحمر إن تستولي على العديد من المدن المهمة فيها وعلى المنطقة التي تقع غرب بحيرة بايكال وتكونت فيها جمهورية مستقلة أطلق عليها اسم جمهورية الشرق الأقصى وفي كانون الثاني عام 1922 قررت الجمعية التأسيسية التي تشكلت في تلك الجمهورية الانضمام إلى جمهورية السوفيت الاتحادية الاشتراكية الروسية وبذلك انتهت الحرب الأهلية الروسية بانتصار البلاشفة وتقوية أسس الاتحاد السوفييتي.
مؤتمر واشنطن
يعدَ مؤتمر واشنطن الذي عقد في العاصمة الأمريكية في العام 1922من أهم المؤتمرات التي كانت تعقد من اجل منع الدول الكبرى من الدخول في سباق تسلح لاسيما بعداشتداد السباق التسلح بين الدول الكبرى فرنسا و بريطانيا والولايات المتحدة واليابان مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى عندما أرادت كلاً من اليابان وفرنسا زيادة قواتها البحرية حتى تتساوى مع بريطانيا وتتفوق عليها واستمرت الدول الكبرى بتصنيع السفن الحربية كما كانت أيام الحرب ولمنع هذا التسابق دعت الولايات المتحدة كل من فرنسا وبريطانيا واليابان وايطاليا إلى عقد مؤتمر في واشنطن في تشرين الثاني 1921 لتحديد القوة البحرية وقد استدعت أيضاً بلجيكا وهولندا والبرتغال والصين ، استمر المؤتمر إلى شباط 1922 وتم الاعتراف هناك بالحالة الراهنة للقوى البحرية وتقرر ما يلي :
- 1-إن لا تصنع السفن الحربية لمدة عشر سنوات .
- 2-تدمير 40% من البوارج الحربية الكبيرة الموجودة عند الدول الكبرى .
- 3-تحديد حمولة البوارج المصنوعة في المستقبل وحاملات الطائرات إلى بريطانيا والولايات المتحدة بنسبة 5% و3% لليابان و 1,67 % لكل من فرنسا وايطاليا .
- 4-منع الدول من استخدام الغازات السامة .
وقد تقرر في اتفاق اتخذ في نفس المؤتمر عرف بميثاق الدول الأربعة بريطانيا ، فرنسا ، الولايات المتحدة و اليابان حفظ السلام في المحيط الهادي , واحترام حقوق هذه الدول في المنطقة والتشاور فيما بينها عند نشوب المنازعات , وإلغاء معاهدة التحالف البريطاني الياباني لعام 1902واجبار اليابان على رد شبه جزيرة سان دون إلى الصين بغية حل الخلافات بين الدولتين , وتطبيقاً لسياسة الولايات المتحدة اتفقت الدول التسعة المجتمعة في واشنطن على احترام وحدة أراضي الصين واستقلالها وتطبيق سياسة الباب المفتوح في التجارة معها .
ثالثاً / الشرق الأقصى
عندما يذكر الشرق الأقصى فان أهم ما يذكر فيه هما دولتي الصين واليابان اللتان لعبتا دوراً في تطورات هذه المنطقة بالإضافة إلى العوامل الخارجية المتمثلة بالتأثير السوفيتي والبريطاني والأمريكي،وإذ ما تعرضنا إلى حالة الصين واليابان بعد نهاية الحرب العالمية الأولى فنجد بالنسبة إلى الصين وبعد موت إيوان شيكاي عام 1916 عاشت الصين في حالة فوضى انتهت إلى شقاق بين الصين الشمالية والصين الجنوبية أدى إلى حرب الأهلية ومنذ عام 1922 كانت للصين حكومتان حكومة الصين الجنوبية ومقرها كانتون والشمالية وعاصمتها بكين ، والواقع إن الصين الشمالية كانت تسيطر على عدد اكبر من الأقاليم كما إن الحكومتين كانتا غير مستقرتين فقد تبدلت حكومة الشمال ثلاث مرات خلال عام واحد . أما اليابان فقد حققت النصر خلال الحرب العالمية الأولى لكنها أخفقت في مؤتمر واشنطن الذي وجدت اليابان فيه نفسها معزولة أمام الدول الأوربية والولايات المتحدة , وقد أجبرت السياسة الأمريكية اليابان إلى التخلي عن بعض المناطق للصين وأجبرتها على توقيع معاهدة الدول التسعة التي تضمنت سلامة الأراضي الصينية وبين عامي 1926-1929 تجلى حادثينمهمين في الشرق الأقصى وهما :
- عودة الوحدة الصينية
بعد إن وقعت الصين في حالة الفوضى ثم عادت واسترجعت وحدتها الأرضية والسياسية ولو بصورة رسمية , وكان لحزب الكومناتانغ دور في ذلك ، هذا الحزب الذي تشكل عام 1911 وانقطع عن نشاطه عام 1912 ولكن زعيمه صن يان صن قام بإعادة تشكيله في عام 1923 وإعادة النظر في سياسته فقد أعجبت صن يان صن الأفكار الغربية الديمقراطية ولكن بعد إضافة القومية الصينية إليها وكان معظم أعضاء حزب الكومناتانغ من الطلاب وبعد وفاته ظلت رئاسة الحزب شاغرة وكان يتنافس عليها اثنان هما يوان شي كاي والثاني تشانغ كاي سنك فاقتسما القيادة من ( 1925-1927) بان يكون يوان شي كاي رئيساً للحكومة وتشانغ كاي سنك قائداً عاماً للجيش ولكنهما انفصلا عام 1927 ثم عادا وتصالحا عام 1928 واستمر شي كاي في جهوده في تدعيم الحكم ضد القادة المتمردين والانفصاليين عن حزب الكومناتانغ واستطاع شيء فشيئاً وبعد جهود دامت 7 سنوات إن يتوصل إلى تحقيق الوحدة الفعلية حيث كانت الصين كما ذكرنا منقسمة ومنذ عام 1928 أصبحت للصين حكومة واحدة برئاسة كاي سنك وأعيد بناء الصين منذ عام 1931 وبذلك تحققت الوحدة الصينية.
في ذلك الوقت كانت الصين أيضا مسرح للتنافس السوفيتي البريطاني خصــوصاً للفترة ( 1922 -1929 ) فالسوفيت والبريطانيون كانت لهم ومنذ القرن التاسع عشر مصالح اقتصادية في الصين كما إن الشيوعيين السوفيت بعد حصولهم على السلطة في روسيا حاولوا بث الأفكار الشيوعية في الصين وقدموا مساعدات إلى حكومة ( صن يان صن ) أي إلى حكومة كانتون في الجنوب ولكن بعد وفاة صن يان صن واستلام كاي سنك الذي كان يعتمد على الرأسماليةالغنية قلص نفوذ الشيوعيين وفي آذار 1926 قضى على الحركة الشيوعية الصينية في كانتون ورد الشيوعيين على ذلك بان أقاموا حكومة شيوعية مضادة لحكومة كاي سنكفي منطقة هاك يو ولكن كاي سنك قضى عليها عام 1927 وقام بإغلاق الوكالات السوفيتية في الصين وهكذا كان كاي سنك يشكل حجر عثرة أمام السوفيت . أما بالنسبة لبريطانيا فان المصالح البريطانية في الصين بدأت مهددة منذ عام 1925 بسبب حركات الاحتجاج الشيوعية ضد الامتيازات الأجنبية وخاصة البريطانية حيث كانت امتيازاتهم هي المتفوقة على الامتيازات الأخرى ولكن قطع العلاقات بين كاي سنك والسوفيت طمأن البريطانيين وكانت بريطانيا تأمل إن تتاح لها الفرصة بان تمد الصين بالمساعدات الاقتصادية وكانت مهيأة لمدها برؤوس الأموال في مرحلة إعادة الأعمال من اجل ضمان مصالحها .
- التوسع الياباني
ترتبط تجدد الأفكار التوسعية في اليابان بعد الحرب العالمية الأولى بالقلق الاقتصادي والاجتماعي الذي عانته البلاد بين عامي1920 – 1929 وتمثل بالأزمة الصناعية وأزمة الأراضي :
- أ-الأزمة الصناعية : خلال الحرب العالمية الأولى لم تعاني الصناعة اليابانية من منافسات في أسواق الشرق الأقصى لان الصناعات الأوربية كانت مهتمة فقط بالصناعات الحربية ولذلك كانت اليابان مسيطرة على أسواق الشرق الأقصى وتتقدم في صناعاتها ولكن ذلك لم يدم لها طويلاً ففي بداية عام 1921 استأنفت الصناعات الأوربية منافستها في الأسواق الأسيوية ووقعت الصناعات اليابانية في أزمة امتدت حتى عام 1927 وأغلقت بسبب ذلك العديد من الشركات وكان لهذه الأزمة انعكاسات اجتماعية فقد شهدت اليابان نمو الحركة النقابية وحدثت الكثير من الاضطرابات وبدأت الاشتراكية بالنمو في اليابان وفي عام 1929 تأسست ثلاثة أحزاب اشتراكية كانت تطالب بتحديد ساعات العمل وأسعار المواد الغذائية وفي ذلك الخضم نمت الأفكار الماركسية لاسيما بين العمال التي قاومتها الحكومة اليابانية بشدة .
- ب- أزمة الأراضي :– كان نفوس اليابان يزداد بحدود 800 ألف نسمة في العام الواحد وهذه الزيادة في النفوس سببت مصاعب كبيرة في الحياة الزراعية الأمر الذي أدى تقسيم الأراضي بصورة كبيرة وبالرغم من هذا التقسيم فقد كان عدد كبير من السكان لا يجد أرضاً يزرعها فانتشرت البطالة في عموم البلاد ، وفي عام 1925 كان 72% من فلاحي اليابان يملكون اقل من هكتار واحد ،وبما إن عدد اليابانيين كان كبيراً في الأرياف فقد كان التنافس عظيم على قطع الأراضي التي ارتفعت أسعارها كثيراً مما سبب هجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة وكان الحل الوحيد للمشكلة يكمن في زيادة مساحة المستغلات الزراعية وعينت لجنة لهذا الغرض , ولكن تكاليف اللجنة كانت باهظة جداً يتطلب تنفيذها 25 عاماً وفي أثناء هذا كان السخط الشعبي يزداد فنجحت الدعاية الفاشية التي قام بها الجنرال أراكي في الأوساط الريفية وكان أراكي ضد الحكومة البرجوازيةوكذلك الشيوعيون ، مما أثار قلق الحكومة التي بدأت تفكر بحلول جدية لمشاكل البلاد .
ومن الحلول التي وضعتها الحكومة اليابانيةلهذه المشكلة هو الهجرة لان اليابان كانت مأهولة بالسكان ولا تستطيع إن تطعم سكانها لذلك قامت الحكومة بدعاية واسعة لتحث الفلاحين للهجرة إلى البلاد المجاورة مثل استراليا والولايات المتحدة، ولكن سياسة الهجرة اصطدمت بمصاعب كبيرة لان الولايات المتحدة واستراليا أغلقتأبوابها بوجه الهجرة الصفراء،فآخذاتالحكومة اليابانيةتبحث عن حل جديد هو تنمية الصادرات الصناعية فإذا استطاعت اليابان إن تجد أسواق جديدة في الخارج فيمكنها حل الأزمتينفي إن واحد , الزراعية والصناعية ، وهكذا بدأت حملة واسعة لزيادة الصناعات اليابانية وتصديرها إلى الخارج والتي نجحت نجاحاَ كبيراً بسبب البرنامج الذي اعتمدته الحكومة وحب اليابانيين للعمل والنظام .