مادة اوربا في القرن العشرين
قسم التاريخ
المرحلة الثالثة
المحاضرة الثالثة
القاء المدرس المساعد : احمد محمد جاسم الدايني
الأزمة الاقتصادية العالمية (1929-1933)
بدايات الأزمة الاقتصادية وأسبابها
شهد العالم الرأسمالي عدة أزمات اقتصادية تكاد تكون دورية وملازمة للنظام الرأسمالي وتحدث بسبب العلاقات الإنتاجية ذات الطبيعة المتناقضة زيادة الإنتاج والتناقض الأساسي للرأسمالية الذي يؤدي بدوره إلى فوضى الإنتاج وقلة الاستهلاك لدى الجماهير نتيجة لاستغلال رأس المال للعمل، وقد تحولت الأزمات الاقتصادية إلى إحدى الخصائص الملازمة للمجتمعات الرأسمالية والناجمة عن عوامل وقوانين محدده ذات مردودات متشابهة في مفهومها العام ،كما إن التنافس الشديد في الحصول على الأرباح والذي يطغى أحياناً على التخطيط الاقتصادي وبرمجته، يؤدي إلى تحويل النقد إلى بضاعة فيختفي النقد وتتكدس البضائع فتنتج من خلال ذلك فيما بعد الأزمة الاقتصادية، أي إن أنتاج السلع بدون الأخذ بنظر الاعتبار الحاجة الواقعية للاستهلاك لدى الغالبية العظمى من السكان هو وراء حدوث الأزمات الاقتصادية، وشهدت بريطانيا البلد الرأسمالي الأكثر تطوراً ظهور أول أزمة اقتصادية عام 1825 وأعقبتها أزمة عام 1836 وشملت الولايات المتحدة الأمريكية ايضاً،ثم الأزمة الاقتصادية لعام 1847 التي أثرت على بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا،إن الرأسمالية لا تهتم مطلقاً بإشباع حاجات الطبقة الفقيرة بقدر ما يهمها إمكانية بيع السلع التي تنتجها بالسعر الذي يضمن لها ربحاً كبيراً، إلا أن هذه الإمكانية تختفي في وقت الأزمات الاقتصادية، ففي عام 1857 اتخذت الأزمات الاقتصادية طابعاً عالمياً شملت الدول الرأسمالية المتقدمة جميعاً وبعد ذلك توالت الأزمات وهي على التوالي 1866، 1873، 1882، 1890، 1900، 1920و 1921، ثم بعد ذلك الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى 1929-1933، هذه الأزمة التي بدأت خريف في عام 1929 في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في تلك الحقبة أقوى دولة رأسمالية في العالم وزعيمة العالم الرأسمالي ثم شملت العالم الرأسمالي كله والتي زعزعت الولايات المتحدة الأمريكية وهي أهم بلد للرأسمالية المعاصرة إذ كانت أعمق وأقسى من جميع الأزمات الاقتصادية التي عرفها تاريخ الرأسمالية حتى ذلك الوقت.
بدايات الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية
إن أزمة عام 1929 كانت تختلف عن الأزمات السابقة إذ إن في السابق كانت أوربا هي التي تؤلف البؤرة الأساسية لمعظم الأزمات الاقتصادية السابقة لكنها تحولت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويعود ذلك إلى الازدهار الكبير الذي شهده اقتصادها أبان الحرب العالمية الأولى 1914-1918 ثم انتقلت آثارها منها إلى أوربا أولاً ومن ثم إلى أنحاء العالم الأخرى فيما بعد،الصناعات الأوربية كانت متوقفة لدواعي الحرب، استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الفرصة واستطاعت أن تحرز تقدماً سريعاً في جميع الأسواق العالمية والأوربية منها بشكل خاص، إمام المنتجات الأمريكية مما كان سبباً في ارتفاع الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة خلال سنوات قليلة بمقدار 70% ولكن تلك الأسواق أغلقت تقريباً في وجه المنتجات الأمريكية منذ عام 1925 بعد أن تمكنت الدول الأوربية من استعادة قدرتها الإنتاجية التي كانت عليها قبل الحرب، مما أدى إلى انخفاض نسبة الصادرات الأمريكية فصار الاقتصاد الأمريكي يعاني من آثار الانكماشالاقتصادي((وهو ظاهرة اقتصادية يمر بها نظام الاقتصاد الرأسمالي ويتميز بانخفاض الإنتاج وتدهور الأجور والأسعار وانتشار البطالة))، ومن غير حكمة كافية حاولت الولايات المتحدة الأمريكية معالجة هذا الوضع عن طريق توسع الائتمان، فوضعت المصارف الأمريكية اعتمادات ضخمة تحت تصرف المنتجين والمستهلكين الأمريكيين وبفضل هذه الاعتمادات استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية إزاحة آثار الانكماش وقتياً ،كما أوقفت رؤوس أموال ضخمة شطر الدول الأوربية لمساعدتها في عملية الإصلاح الاقتصادي شريطة أن تشتري من الولايات المتحدة المواد والسلع الأولية التي تحتاجها، ولكن أدى ذلك فيما بعد إلى ارتفاع مؤشر سوق الأسهم والذي لم يكن متناسبا معً واقع النشاط الاقتصادي وقد تضافرت عوامل عدة لتصاعد الأسعار تمثلت بالتصريحات المتفائلة والمؤكدة على قوة الاقتصاد الأمريكي واستمرار ازدهاره وتطوره ونفي اشتعال الأزمة وكذلك القيام بوفرة الادخار وسهولة الإقراض.
لكن التوسع الكبير في فتح القروض القصيرة الأمد زاد من الإقبال على شراء الأسهم مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في سوق الأوراق المالية، فنتيجة للرخاء الاقتصادي الذي تمتع به الاقتصاد الأمريكي خلال المدة 1922-1928 ازداد معدل نمو الائتمان وتيسرت شروطه (انخفاض أسعار الفائدة ) بسبب تحسن الادخار فقد ارتفع إجمالي القروض المصرفية من 2,5مليار دولار عام 1926 إلى 7 مليار دولار عام1928 وكذلك العامل الآخر تمثل بإنشاء الشركات الاستثمارية المتعددة الإغراض وقد استعملت الاستثمار بالأوراق المالية، ويمكن القول بصورة عامة إن قيم أسهم سوق الأوراق المالية فيوولستريتWall street في نيويورك شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في غضون السنوات الأربع على التوالي 1925-1929 من 270مليون دولار إلى 6750مليون دولار فزادت المضاربة في عموم البضائع حتى التي لم تكن موجودة في قوائم بورصة نيويورك تحت تأثير التفاؤل المفرط الذي عم جميع البلاد، حيث كان النظام الاقتصادي الأمريكي قائم على أساس تطور الرأسمالية الأمريكية ومن اجل المحافظة على الازدهار الاقتصادي واستمراره وحاجتها الى التوسع الخارجي ووضع إستراتيجيات التطور والتراكم الرأسمالي، كانت قضية ملحة بالنسبة إلى المستثمرين المصدرين الأمريكيين، وقد تزايد حجم الاستثمارات الخارجية ولا سيما في البلدان المختلفة وتقديم المساعدات لها،وقد اتخذت الحكومة الأمريكية سياسة حماية استثمارات مواطنيها وتعزيز ذلك بحملة إعلامية لتبرير التغلغل الاقتصادي هناك ومن خلال ما ينجم من تبعية اقتصادية ربط اغلب الدول بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من ذلك كانت التفسيرات المالية للازمة هو أن العالم كان يشكو من شحت الذهب نتيجة انخفاض في الإنتاج خلال العشرينات ، حيث أدت الحرب العالمية الأولى إلى تركيز نسبة كبيرة من ذهب العالم في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب ضخامة حجم الإنتاج الأمريكي وتحقيق فائض كبير في ميزان المدفوعات ، وهكذا تضاعف سعر شراء الأراضي والعقارات وتعد تلك المرحلة سنوات مضاربة حادة ، مما أدى إلى زيادة كمية النقود في التداول فساهم ذلك في نهاية الحقبة إلى التوسع الكبير في النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظلت متمسكة بقواعد نظام الذهب أما الدول الأخرى فقد أوقفت حرية تحويل عملاتها إلى العملات الأخرى ونتج عن ذلك تجميع ذهب العالم لدى البنوك الأمريكية، فأخذت المنتجات الأمريكية خلال تلك المرحلة بالتفوق على مثيلاتها من الدول الأوربية مما أدى إلى زيادة الطلب عليها، وقد نتج عن ذلك زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الأمريكي وأصبحت من أوائل الدول المصدرة التي تعتمد في تصريف إنتاجها على الأسواق الخارجية بدرجة كبيرة وحدث تقدم اقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية لما يحتويه الاقتصاد الأمريكي من فرص للاستثمارات، ألا انه في عام 1925 بدأ الذهب يخرج من الولايات المتحدة متجها إلى الدول الأخرى، حيث أسعار الفائدة المرتفعة، وفي سنة 1927 أصبح الاقتصاد الأمريكي مهددا بالانكماش وإن كان طفيفا ،ونود أن نشير إلى انه خلال المدة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى انتقلت الرأسمالية من مرحلة الحرية الاقتصادية التامة إلى مرحلة تدخل الدولة وذلك بعد أن اتسعت الأنشطة الاقتصادية، فضلا عن ظهور وحدات اقتصادية عامة بالأسلوب الحر المباشر، وبما أن التناقض الأساسي للرأسمالية لا يستطيع البقاء دون أن يتفاقم باستمرار، فتصعيد أعلى ربح ممكن، أي الانتفاع برأس المال ليس ممكنا ألا بدفع الإنتاج إلى مستويات أعلى.
وتتجلى الأزمة أخر الأمر في الصعوبات التي يلاقيها الانتفاع برأس المال، أي في عدم قابلية بيع قسم من السلع المنتجة، لان سرعة بناء الاقتصاديات الأوربية وأيضاً دخول الدول النامية مجال التصنيع أدى إلى انخفاض الطلب الخارجي على الإنتاج الأمريكي لذا فان السلع التي بحجم كبيرة تصبح غير قابلة للبيع بحيث تملأ المستودعات، يتبع ذلك تصنيف الإنتاج يكون مصحوباً بتصريحات كبيرة بانخفاض الأجور والقدرة الشرائية وظواهر أخرى، لذا حاولت تصريفه حتى ولو كان ذلك عن طريق تخفيض أسعار البيع ولا بد من إن يصطدم توسع الإنتاج بالحدود الضيقة التي تحكم الاستهلاك لدى الجماهير الشعبية، إذ أن توسع الإنتاج يؤدي إلى تصريف السلع بزيادة مؤقتة، فكلما ازداد الإنتاج توسعا ازدادت الحاجة إلى الآلات ومواد البناء والمواد الخام والوقود ورأينا كيف صعد النشاط الاقتصادي في المدة لتي أعقبت الحرب العالمية الأولى إلى قمة الرخاء والوفرة، وانتعاش الاقتصاد الأمريكي وزيادة الطلب على منتجاتها سواء من دول أوربا أو من جانب الدول النامية التي كانت أصلا من ضمن عملاء الدول الأوربية وزيادة الطلب على رؤوس الأموال الأمريكية سواء في صورة قروض أو استثمارات أجنبية أو إعانات بسبب تعطش الدول الأوربية لمصادر التمويل اللازمة لإعادة تنمية اقتصادياتها، وبدأ العالم يتمتع بحقبة رواج واضحة وزاد الاستثمار العالمي وأصبح يفوق مستويات ما قبل الحرب، وقد انعكست كل هذه التطورات على أسعار الأوراق المالية في البورصات العالمية، غير أن كثرة الاعتماد الفائضة عن الحاجة لأجل قصير أدت إلى ارتفاع أسعار البورصة، وان المكاسب التي فازت بها البلاد كانت عظيمة وملموسة فقد ارتفعت قيمة الإنتاج القومي- وهو القياس المحبب لدى رجال الاقتصاد العصريين من 72,000 مليوندولار في سنة 1922 إلى 96,000 مليوندولار سنة 1928 وان الدخل القومي للفرد قفز بسرعة اكبر حيث ارتفع بنسبة 30%خلال تلك المدة، ومع ذلك كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي البلاد الوحيدة المنتعشة اقتصاديا فكانت تفيض بالأموال، مما دفع الكثير من الناس إلى المغامرة في الأسهم والسندات من اجل الحصول على الربح،ولكن قوة الرواج كانت لا تخلو من المشاكل فقد كان الرواج كبيراً في الصناعات وفي نفس الوقت كانت الزراعة تعاني من الركود.
لذا لم تكن العشرينات عصرا ذهبيا للمزارعين الأمريكيين فقد أصابهم ما أصاب منتجي المواد الخام والمواد الغذائية الذين أصابهم الاضطراب بسبب تدهور أسعار المواد الأولية مرة ثانية بعد تحسن قصير وفي الوقت نفسه كان الإنتاج الزراعي في أوربا يتحسن باستخدام الأسمدة والأدوات الميكانيكية، فضلاً عن زراعة أراضٍ جديدة وقلل لحد كبير من الطلب على المنتجات الزراعية الأمريكية، وقد ترتب على ذلك سعر انخفاض الجملة للمنتجات الزراعية الأمريكية في الانخفاض في الوقت نفسه أمامهم أكداس من المنتجات الزراعية لا يستطيعون تصريفها، في الوقت الذي كانوا مضطرين لدفعفوائد القروضالتي تسلموها من المصارف خلال الأعوام السابقة، وتتراكم الفائدة على القروض الطويلة الأجل دائما في المراحل المتفق عليها ألا أن الظروف الفنية التي تؤثر في الطلب النسبي على هذه الطبقات من السلع والتي تؤثر في إثمان القروض المصرفية بدرجة أسرع من أثمان البيع مع عودة المصانع الأوربية إلى العمل بعد أن كانت متوقفة في أثناء الحرب العالمية الأولى وقد عملت ليس فقط على أنتاج ما يسد حاجتها بل أصبحت تنتج ما يكفي حاجات الأسواق العالمية وأسواق مستعمراتها بخاصة، وعقد المؤتمر الاقتصادي العالمي في جنيف عام 1927 الذي حضرته وفود من خمسين دولة وشاركت الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حدد هذا المؤتمر الملامح الأساسية لخطوات تحسين الأصعدة الاقتصادية فعلى الصـــــعيد التجاري دعا إلى تخفيض الرسوم الكمر كية أما على الصعيد الصناعي فقد دعا إلى تخفيض تكاليف الإنتاج في حين دعا على الصعيد الزراعي إلى تحسين الأساليب الزراعية وتسهيل الائتمان، لكن الدول لم تستفد من هذه التوصيات بعد أن أصابتها كارثة الأزمة الاقتصادية العالمية.
عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1927 تعاني من صعوبة تصريف منتجاتها الصناعية، لان توسع الإنتاج يحدث في ظروف يتقلص فيهاالطلب القادر على الدفع تقلصا نسبيا بين الجماهير الشعبية والتجارة الخارجية، إذ أن التقلص في الطلب هو نتيجة حتمية لفعل قوانين الرأسمالية الاقتصادية المؤدية إلى تشديد الاستثمار وعندما يدير الإنتاج منتجون منعزلون عن بعضهم ويقودهم السياق إلى الربح في ظروف الرأسمالية، فتحديد الأسعار في مجموعة كبيرة من الصناعات المهمة والاحتفاظ بحد معين للربح.
ومع ذلك أغلقت الكثير من الأسواق العالمية بوجه المنتجات الأمريكية وانخفضت نسبة الصادرات الأمريكية إلى الخارج وقد حاولت المصارف الأمريكية إن تنقذ الوضع الاقتصادي المتدهور عن طريق تقديم القروض إلى أصحاب المصانع والمشاريع الزراعية الكبرى من اجل الصمود في وجه الأزمة، ولكن امتناع كثير من المستهلكين عن الشراء أدى إلى حصول الأزمة لأنهم كانوا ينتظرون انخفاض أكثر في الأسعار، لكن الأمر انقلب إلى الضد حين اخذ الإنتاج الصناعي يتزايد بصورة مستمرة رغم عدم توافر الأسواق لتصريف هذه المنتجات، وهذا النشاط المتزايد ينعكس خطورة على البورصة فترتفع أسعار الأوراق المالية ويتهافت المدخرون على استثمار أموالهم في المضاربة وتتوسع البنوك في منح الائتمان لكي تستفيد هي الأخرى من فروق الأسعار، فحينما أخذت الأسعار في سوق الأوراق المالية في وول ستريت تسجل ارتفاعاً سريعاً ومستمراً بفضل المضاربات حتى وصلت أرقاما قياسياً، زادت المضاربة في البضائع عموما حتى تلك التي لم تكن موجودة في قوائم سوق الأوراق المالية،وكــــــان ذلك خــــلال الشعارات التــي طرحهـاهربرت هوفرHerpert Hoover(( وهوسياسي معروف ولد في ولاية ايوا في عائلة من طائفة الكويكرز، درس علم طبقات الأرض، إضافة الى الهندسة في جامعة ستانفورد، وكان رجل أعمال ناجحاً ومهندساً ذا خبرة في التعدين، عمل في المناجم في كل من نيفادا واستراليا، وأصبح مستشارا فنيا لشركة الهندسة والتعدين الصينية، احتل منصب وزير التجارة خلال المدة 1921-1928 ثم رشح ممثلا عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام1928، فأصبح في عام 1929 رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية حتى عام1932))، في أثناء حملته الانتخابية للترشيح للرئاسة الأمريكية التي تشير إلى الانتعاش والرفاهية وبذلك حصد الرئيس ثقة الأمريكيين نتيجة الازدهار الذي عاشوه في ظل الجمهوريين والذي كان لا بد من استمراره من خلال فوزهم، وقد ارتفعت القروض التي قدمت من سوق الأوراق المالية في وول ستريت من3500 مليون دولار إلى8500 مليون دولار،وكان جانب من هذه القروض تقدمه المصارف في حين منحت الجانب الأكبر منه الشركات العملاقة التي كانت تبحث في إيجاد منفذ لأموالها بالإضافة إلى الأموال التي قدمت من خارج البلاد، ولم تكن المضاربة مقتصرة على رجال المال والأعمال فحسب، بل امتدت لتشمل المزارعين ورجال الكنيسة وحتى ربات البيوت وكل من يستطيع الحصول على أموال كافية لشراء أسهم الشركات.
وقد اعتمد هؤلاء في معيشتهم على أرباح الأسهم ونلاحظ انه بدا خلال تلك المدة الانتعاش والرخاء على الصناعة والتجارة بل تعداها ليشمل المزارعين، بسبب وفرة الإنتاج، فبعد أن ارتفعت أسعار الأسهم إلى القمة في 3 ايلول1929، حدث خلال الأسابيع الستة اللاحقة بعض التقلبات في السوق التي أقلقت الخبراء، فقد وردت أخبار سيئة من الخارج منها إفلاس شركة تامين ألمانية.
وكذلك الانهيار الفاضح لمجموعة كلارنسهارتيClarence Hartyفي لندن الذي أعلن إفلاسه في 20 ايلول1929وتم القبض على هارتي واتهامه بتزوير وثائق تجارية تخص سوق الأوراق المالية، فنتج عن ذلك بعض الحذر من شراء الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية إذ عدت عوامل مساعدة لحدوث الانهيار في البورصة، وبعد أن قل الإقبال على شراء الأسهم انخفضت أسعارها تدريجيا واندفع أصحاب الأسهم إلى بيعها خوفا من حدوث مزيد من الانخفاض في أسعارها، ولكن الأسباب الحقيقية لهذا الانهيار يعود إلى الحجم الاستثنائي الكبير من السندات المالية غير المنظمة وإلى القرض السيئ التوجيه والزائد وكذلك وجود ضرائب على أرباح رؤوس الأموال ساعد على جعل مالكي البضائع العامة مترددين في تحويل أرباح كبيرة إلى نقد، وبالنتيجة أدى ذلك إلى هبوط حاد وانهيار لم يسبق له مثيل في يوم(الخميس الأسود) 24 تشرين الأول 1929.
إذ عرض في السوق ثلاثة عشر مليون سهم وهكذا سيطر الذعر وقد كانت بعض الأسهم تفقد نصف قيمتها في يوم واحد، ليشهد بداية حدوث انهيار اقتصادي كان له أثر عنيف ومفاجئ على حياة معظم الشعب الأمريكي زعزع ثقتهم في اقتصاد بلادهم وليسجل بداية لأعنف وأقسى أزمة اقتصادية عالمية استمرت لما يقارب أربع أعوام.
ففي 29 تشرين الاول1929، حدث أسوأ ما يمكن فأغرقت سوق الأوراق المالية في نيويورك، وذلك لتهافت أصحاب الأسهم لبيع أسهمهم بما يزيد على 16مليون سهم،وقد تبع ذلك هلع مخيف عندما اخذ السماسرة في البورصات يطالبون زبائنهم بتسديد ما عليهم من ديون، فبادر هؤلاء إلى سحب مدخراتهم من المصارف، مما أدى إلى انتقال الأزمة من البورصة إلى المصارف فإذا حدث تقصير في الدفع يضطرون إلى بيع ما لديهم من ضمانات وبأي سعر كان، وخلال عشرة أيام فقط هبطت أسعار الأسهم إلى خمس قيمتها السابقة فانهارت كثير من الملكيات،لذلك لا يعد مجرد انهيار بورصة أصبحت تدريجيا أزمة اقتصادية شمولية وحادة رافقها انخفاض الأسعار ، وخاصة نلاحظ انه الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكثر بلدان العالم في الطاقة الإنتاجية، وذلك للزيادة الهائلة في الإنتاج الصناعي إلى درجة فاضت بها المنتجات الصناعية عن حاجة المستهلكين مما أدى إلى تكدسها في مخازنها وبكميات هائلة فانخفضت أسعارها بصورة لم يسبق لها مثيل، فقد انخفض معدل الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي المجال الحديد والصلب وهما عماد الصناعة الثقيلة انخفض الإنتاج الأمريكي في سنوات الأزمة بمقدار75%، وفي مجال للسيارات بمقدار80% وقد أغلق حوالي 135الف معمل ومصنع وشركة أمريكية أبوابها، وظهرت في ضواحي العديد من المدن الأمريكية الكبيرة أكداس من الآلات والمعدات المتروكة وانخفضت بصورة عامة أسعار معظم المنتجات الصناعية بنسبة45% عن الأسعار السائدة قبل الأزمة، أما عدد المصارف الأمريكية التي أشهرت الإفلاس في المدة الواقعة1929-1933 فقد بلغ ما لا يقل عن10آلاف مصرف من أصل25 ألف مصرف كانت تعمل بنشاط منقطع النظير عشية الأزمة ولهذا الرقم مدلوله العميق ذلك لان البنوك والأعمال الصرفية تعد من ابرز أعمدة الحياة الاقتصادية في المجتمعات الرأسمالية، وأدى انخفاض القدرة الشرائية إلى ضرر المزارعين والصناعيين، وقد اثر فيأحوال الفلاحين الأمريكان إلى درجة دفعت العديد منهم إلى عدم جني ثمـــار محاصيلهم الزراعية إذ لوحظ كميات كبيرة من محصول القطن في بعض الولايات الأمريكية متروكة في الحقول تتعفن على أشجارها وذلك لان أسعارها في السوق كانت اقل من تكاليف نقلها إلى هناك بل اقل حتى من تكاليف جنيها، وكذلك الفلاحون فإنهم لم يتمكنوا من دفع فوائد الديون التي عقدوها مع المصارف، وقد فقد نصيب الفلاحين من إجمالي الدخل القومي الذي قارب ما نسبته10%في عام1929 واقل من6%في عام1932 وكان من الطبيعي أن تراع هذه الأوضاع إفرازاتها السلبية في معدل قيمة الإنتاج الزراعي، فترك معظم الفلاحين الأمريكان العمل في الزراعة وأصبحوا عاطلين عن العمل واخذ قسم كبير منهم بالهجرة من الريف إلى المدينة طلبا لعمل يسد رمقهم، هذا في الوقت الذي كان فيه العاطلون في المدن يهاجرون إلى الريف للهدف نفسه،وانتشرت البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنوات الأزمة الاقتصادية كانعكاس طبيعي لما خلفته الأزمة من آثار تفاقمت حدتها مع تفاقم تلك الأزمة فبعد أن كان عدد العاطلين رسميا في الولايات المتحدة الأمريكية في عام1929 حوالي 113,557 عاطلا ارتفع عددهم ليصل في عام1932 إلى أكثر من 12مليون عاطل،ثم أصبح عددهم في نهاية عام1933إلى17 مليون عاطل، وقد اضطر العديد من العاطلين وخاصة من ذوي المهارات منهم إلى الهجرة إلى الاتحاد السوفيتي لتوافر فرص العمل بل قبلوا أن يأخذوا أجورهم بالروبل((العملة السوفيتية)) غير القابلة للتحويل، وقد أثرت في فرص العمل فكان الملايين من الأمريكيين رجالا ونساء يقفون في خطوط طويلة للحصول على أعمال صغيرة معروضةوحينما تتوافر فرصة عمل لرجل كان عشرة رجال يتصارعون من اجلها حتى لو كانت أجورها منخفضة، وقد استغل بعض أصحاب المصانع فرصه عدم وجود عمل ففرضوا ساعات عمل طويلة ومضنية وشاقة وانتهكت حرمات القوانين الخاصة بالعمل والعمال، فالصناعة الأمريكية التي كانت تستخدم عام1929(8,830,000) عامل لم تستخدم عام1932 غير(5,441,000)عامل،كما تأثرت التجارة الخارجية الأمريكية تأثرا بالغاً وهبطت إلى مستوى لم يعهد من قبل، وانخفضت صادراتها بنسبة كبيرة فبعد إن كانت الصادرات الأمريكية لعام1928 تقدر بـ 5مليارات و20مليون دولار، انخفضت إلى مليار واحد و647مليون دولار فقط في عام1933، وانخفضت الاستيرادات الأمريكية المنظورة وغير المنظورة بنسبة70%خلال سنوات الأزمة، وكان من الطبيعي أن يترك ذلك الانخفاض أثاراً مباشرة على الدخل القومي للولايات المتحدة الأمريكية فبتأثير الأزمة الاقتصادية انخفض الدخل القومي من88 مليار دولار في عام1929إلى40 مليار دولار عام1933.
وإزاء هذا الوضع سعت حكومة هربرت هوفر إلى التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية باتخاذ بعض الإجراءات لكنها كانت لا تتناسب مع هذه الكارثة ومنها مجلس المزارعين الاتحادي الذي تفرع منه مؤسستان هما مؤسسة موازنة الحبوب ومؤسسة موازنة القطن وهاتان المؤسستان كان غرضهما مساعدة المزارعين عن طريق شراء محاصيلهم الزائدة من الحبوب والقطن لغرض تثبيت الأسعار، وقد صرف ما يقابل المليار دولار للحفاظ على أسعار السلع الزراعية، وفي17حزيران 1933أصدرت الحكومة الأمريكية تعريفة زادت بموجبها الرسوم الكمر كية على البضائع والمنتوجات المستوردة بنسبة53% وقد أدت تلك التعريفة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب ارتفاع أسعار السلع المحلية المختلفة، وبعد مجيءفرانلكين روزفلتFranklin Roosfeltللحكم سنة 1933 ((ولد في نيويورك، تخرج في جامعة هارفرد ، وأصبح وكيل وزارة البحرية1913-1920 وكان مرشح الديمقراطيين لنيابة الرئاسة عام1920، أصيب عام1921بالشلل لكنه استعاد عافيته، أصبح حاكم لمدينة نيويورك1928-1933 وبعد ذلك أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية1933-1945 توفي فجأة في12نيسان1945() شاع التفاؤل عموم الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة حينما اتخذ سياسة جديدة لإنعاش البلاد أطلق عليها سياسة العهد الجديد، وهذا يعني أن الأزمة الاقتصادية التي حلت بالولايات المتحدة وتركت بصماتها في مجمل مناحي الحياة الأمريكية فكل الوعود التي تضمنها منهاج العمل لحكومة روزفلت كانت تصب في محاولة الخروج من الأزمة ومن خلال ذلك نرى ان الأزمة كانت قد طرقت كل الأبواب وأصابت العصب المهم في هيكل الأوضاع العامة في المجتمع الأمريكي.
تأثير الأزمة الاقتصادية على دول العالم
وتعد الأزمة من اعنف ما شهده العالم الرأسمالي في تاريخه الحديث والمعاصر نظرا لشدتها وقوتها وشموليتها وتشابك آثارها التي شملت مختلف أنواع النشاط الاقتصادي منصناعة وزراعة وتجارة وماليةحيث بدأت في خريف 1929واستمرت في أفضل الأحوال لغاية صيف1933، وحتى بعد انتهائها كان لا بد من مرور ما لا يقل عن عامين أو ثلاثة على البلاد لكي يعود وضعها الاقتصادي إلى مستوى ما قبل الأزمة، وإزاء خطورة الأزمة أخذت الحكومات الرأسمالية تتدخل بشكل سافر من اجل إنقاذ المؤسسات الإنتاجية الرأسمالية من خطر الانهيار بفرض ضرائب لحماية أسعار السلع من الهبوط، كما وضعت قيوداً على كميات السلع المستوردة بحيث لا تخل كثيرا بالميزان التجاري ومن ثم يميزان المدفوعات، أن الأزمة الاقتصادية لم تقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية ولكن انتقلت منها إلى بقية بلدان العالم الرأسمالي وذلك بفعل الترابط الاقتصادي والمالي الحاصل بين دول العالم الرأسمالي، والدور المهم الذي أخذت تؤديه الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الأولى من خلال تقديمها اعتمادات ضخمة إلى الدول الأوربية، وبتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية توقفت الولايات المتحدة عن تقديم المزيد من القروض إلى الدول الصناعية مما دفع بتلك الدول إلى مواجهة الأخيرة كيفية سد مدفوعات الأرباح وأصبحت من ثم مجبرة بشكل حاد على تقليص وارداتها وزيادة صادراتها مما أدى أيضا إلى انخفاض الأسعار، وبشكل كبير بالإضافة إلى إعادة تصدير رؤوس الأموال التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أقرضتها لأجل قصير إلى الخارج كما توقفت أيضاً عن تقديم الاعتمادات الضخمة التي اعتادت على تقديمها إلى الدول الأوربية، فكان هذا يكفي لكي تظهر الأزمة في أوربا أولا ومن ثم في دول العالم مسببة ضيق في حركة رأس المال وقلقا يؤثر في كل النشاطات الاقتصادية ابتداءً من النشاط المصرفي،فقد سعي عدد من الباحثين والمختصين إلى وضع نظريات عديدة لتفسير العوامل الكامنة وراء تفاقم الأزمة الاقتصادية، فظهرت أراء مختلفة في هذا الصدد منها ما عزا السبب إلى نقص الاستهلاك، في حين رأى آخرون انه يعود إلى تقليص قرض الاستثمار وأكد غيرهم إن سمة إنتاج الذهب هو العامل الأساسي، وهناك من أرجعها إلى عدم التوازن بين السلع الاستهلاكية والسلع الإنتاجية، وعدت بعض الأطراف إن النظام المصرفي هو اكبر مصدر من مصادر عدم الثبات الاقتصادي، بينما وجه البعض اللوم وأرجع العلة إلى النظام الاقتصادي الأوربي، كما وجد بعضهم أن انتشار البطالة نتيجة الاستغناء عن أعداد كبيرة من الأيدي العاملة بسبب التقدم العلمي بل هنالك من أرجعها إلى أمور غريبة مثل دورة المجموعة الشمسية وتغير الطقس، وإزاء كل ذلك، تشير المعلومات الواردة إن هذه الأمور قد ساعدت على اشتداد الأزمة الاقتصادية ولكن في كل الأحوال علينا إن لا ننسى السبب الحقيقي، وهو هبوط قيم أسهم سوق الأوراق المالية في ولاية نيويورك،وكما سبقت الإشارة أن سبب إبراز دور البورصة أنها في الواقع عبارة عن ترمومتر( أي المحرك الأساسي ) النشاط الاقتصادي، فعندما ارتفعت الأسعار إلى حدود لم تعرف من قبل، بدأ الخبراء يتشاءمون مما نتج عنه سلسلة من التصرفات أدت إلى زيادة التشاؤم والسعي نحو بيع الأوراق مما أدى إلى انهيارها بشكل أسرع وقد تأثرت جميع الصناعات بهذه الأزمة الا صناعة واحدة هي صناعة الأسلحة المواد الحربية لإمداد الجيوش والأساطيل البحرية والجوية بما يلزمها، وانتعشت تجارة الأسلحة وربح تجارها كثيرا إذ إنهم استغلوا فرصة الصراع القائم بين الدول والذي كان يزداد سوءا كلما ازدادت الأزمة تفاقما. كما أدت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى اختلال التوازن بين الإنتاج والتصريف، وقد أثرت في انخفاض الإنتاج العالمي بمقدار يزيد على الثلث،فأما الفحم فقد انخفض الإنتاج العام بمقدار يزيد30% واما الحديد الصلب فقد بلغ معدل الانخفاض أكثر من60% والقطن حوالي27% ويمكن تحديد الإطار النسبي لهبوط الإنتاج خلال الأزمة إذ تراجع مستوى الإنتاج العالمي إلى ما كان عليه عام1908-1909، أي عجلة الاقتصاد الرأسمالي تراجعت بمستوى عقدين كاملين إلى الوراء.
وأدى تقلص الصناعة وهبوط الأثمان بطبيعة الحال إلى خفض الأرباح القائمة والمتوقعة، ويقوي عزائم رجال الأعمال ويعرقل النشاط، ولكنه يسير قدما بعمليات إعادة التنظيم التي يتسنى بها التغلب تدريجيا على الأزمة التي كانت آثارها اشد وطأة وأكثر وضوحاً في للصناعة من بقية قطاعات الاقتصاد الأخرى ولو أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة أن الإنتاج الصناعي الأمريكي كان يمثل حوال46% من الإنتاج الصناعي لمجموع أربع وعشرين دولة من الدول الصناعية الكبرى في العالم آنذاك وفي الوقت نفسه أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية سوقا استهلاكية كبيرة لعدد من الدول ورافق هذه البطالة انخفاض في أجور العمال بلغ معدله في البلدان الرأسمالية45% عما كان عليه عام1929، وبما إن ألمانيا كانت تؤلف ثاني اكبر دولة رأسمالية في العالم لأن تأثرها بالأزمة الاقتصادية احتل الموقع الثاني وفي سنوات الأزمة اشهرت68 ألف مؤسسة رأسمالية الإفلاس واضطرت المصارف الكبيرة في ألمانيا إلى طلب الشرطة لتحميها من جماهير المودعين، الذين بدأوا يخشون مصير ودائعهم بعد افلاس العديد من المصارف المعروفة، وعندما هبط الطلب على السلع الألمانية انخفضت قيمة الصادرات الألمانية كما انخفضت الواردات مع العلم بأنها من الدول الصناعية الكبرى وقد حدث عجز في الميزان التجاري لها، ولتوضيح أبعاد المأساة أكثر لا بد من الإشارة إلى إعداد العاطلين عن العمل في البلاد فقد ارتفعت نسبة العاطلين في عام1930 إلى ما يقارب22% ثم تضاعفت هذه النسبة تماما لتصل في عام 1932إلى44%من مجموع الألمان القادرين على العمل، وفي عام1933 بلغ العدد أكثر من ستة ملايين عاطل إلى جانب ذلك عدم حل مسألة التعويضات الألمانية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية،فتراكمت الديون الألمانية حتى بلغت أربع عشر مليون مارك في ذروة سنوات الأزمة والتي عرقلت سير نشاطها الاقتصاديوإزاء هذه الحالة صدر في14تموز1931 مرسوم سمي بالإجازة المصرفية وبموجب هذا المرسوم أقفلت جميع المصارف الألمانية أبوابها، خشية الوقوع في الإفلاس، حيث انه منذ أواخر ايار1931 اخذ الماليون الأجانب ولا سيما الأمريكيون يسحبون أموالهم من المصارف الألمانية ففي عام1931 خرجت من ألمانيا مبالغ كبيرة قدرت بأكثر من مليار مارك من الأموال الأجنبية، بالإضافة إلى ذلك امتد اثر الأزمة الاقتصادية إلى النشاط الزراعي فقد انخفضت أسعار المنتجات الزراعية وقد برزت ظاهرة الرهن الزراعية وقد أجبر الفلاحون إلى بيع بيوتهم بالمزايدة، وأصبحت الأوضاع الاقتصادية حرجة جدا في ألمانيا.
أما بريطانيا فقد تدهورت قطاعاتها الاقتصادية عامة زراعة-صناعة- تجارة وذلك لانخفاض الطلب على صادراتها المختلفة لذلك انخفض الإنتاج الزراعي وتقلصت الأراضي الزراعية، وفي الجانب الصناعي أغلقت العديد من المصانع المنتجة ابوابها، وكان السبب الجوهري لهبوط معدل الانتاج الصناعي والذي ادى للانخفاض الحاد للطلب على الصادرات البريطانية فضلا عن القرارات التي اتخذتها بعض الاوساط الحاكمة البريطانية من خلال فرض قيود شديدة على المصدرين البريطانيين خلال فترة الأزمة الاقتصادية وتقلص استثماراتها في الخارج، وقد اضطرت بريطانيا إلى بيع الذهب والسنداتالاجنبية لتسديد قيمة استيرادها، وتدهورت التجارة الخارجية البريطانية خلال سنوات الأزمة، اذ انخفضت حصتها في التصدير العالمي في عام 1929 حينما بلغت حوالي11% فقط بعد ان كانت حصتها قبل الأزمة14% لذلك سجل الميزان التجاري البريطاني عجزا كبيرا طيلة سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية، وكذلك انتشر الذعر في المصارف البريطانية الأمر الذي أدى إلى هجرة الأموال البريطانية وهجرة الذهب وعندما رأت المصارف البريطانية خروج الذهب حاولت ان تقاومه برفع سعر الحسم، ولكن رغم هذا ظل سعر الجنيه آخذاً بالضعف، وكان للازمة انعكاسات خطيرة على الأوضاع السياسية في بريطانيا، فقد عمت بريطانيا مظاهرات صاخبة وصلت قرب مجلس العموم البريطاني( البرلمان البريطاني )،وقد استقالت حكومة رامزي ماكدونالد العمالية الثانية في24اب1931 بسبب فشلها في علاج الأزمة الاقتصادية، وشكلماكدونالد حكومة ائتلافية من حزبي العمال والمحافظين في25اب1931 فسارعت الحكومة الجديدة إلى انتهاج سياسة اقتصادية لمعالجة الوضع في بريطانيا فاصدر البرلمان البريطاني في 20 أيلول 1931قانوناً بالتخلي عن قاعدة الذهب كغطاء للجنيه الإسترليني، بعد خروج كميات ضخمة من الذهب خارج بريطانيا جعل من الصعب المحافظة على قاعدة الذهب في العملة البريطانية،ومن ثم أصبحت الأزمة النقدية أزمة عالمية وقد تبعت بريطانيا في خروجها عن قاعدة الذهب حوالي32 دولة في نهاية عام1932، وأدى سحب الغطاء الذهبي عن الجنيه الإسترليني في بريطانيا إلى ان تفقد عملتها وعملة البلدان المرتبطة بها قوتها، ومن ثم امتدت حتى فقدت عملات56 دولة قوتها خلال المدة بين عامي1929-1933 ، ومن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البريطانية خلال تلك المرحلة هو عقد مؤتمر اوتاواottawaفي 20أب 1932، والذي تضمن فرض بريطانيا رسوماً كمركية عالية على البضائع الأجنبية الواردة أليها من كل أنحاء العالمباستثناء الدول التابعة لها(الدول ذات الاستقلال الذاتي التي تضمها الإمبراطورية البريطانية) وإعفائها من كافة الرسوم والضرائب، وبذلك تخلت بريطانيا عن السياسة الاقتصادية التي اتبعتها منذ عام1846 القائمة على نظامالتجارة الحرة والتي كانت بالنسبة إلى بريطانيا مصدر الرفاه، وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا عام1932،(2,750,000) عاطل، ولا ينكر ان جميع الطبقات والفئات الاجتماعية في الأقطار الرأسمالية والبلدان المرتبطة بها عانت كثيراً من آثار الأزمة ولكن دولاً أخرى بحكم عوامل موضوعية محددة اختلفت نسبة تأثرها بالأزمة، من حيث سرعة التأثر مثل النمسا التي كانت أول الدول التي تأثرت بالأزمة بعد الولايات المتحدة الأمريكية لضعفها الاقتصادي واعتمادها على رؤوس الأموال الأجنبية، فان ما يمكن وصفه بالمناعة الاقتصادية خففت إلى حد ما من عبء الأزمة على كبار الرأسماليين الذين تلقوا العون من حكومتهم لحل مشاكلهم. فقدمت لهم القروض وفرضت ضرائب كمركية ورفعت مشترياتها من المعدات الحربية.
ولم تقتصر آثار الأزمة الاقتصادية على أوربا فقط، بل امتدت آثارها إلى كل بقعة من بقاع العالم وكان ابرز خصائص أزمة عام1929-1933 شموليتها التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأزمات الاقتصادية الرأسماليةومثلما انتقلت آثار الأزمة الاقتصادية إلى الدول الرأسمالية المتقدمة كان من البديهي ان تنتقل الأزمة بعد ذلك وبشكل عميق إلى الحياة الاقتصادية في الدول النامية التي كانت تدور بدرجات متفاوتة في فلك العالم الرأسمالي، فقد واجهت هذه الدول صعوبات كبيرة في تصريف منتوجاتها من المواد الأولية والغذائية بسبب توجه الدول الصناعية إلى الاعتماد على إمكانيتها الذاتية وتقليص وارداتها، فقياساً إلى معدل الأسعار العالمية السائدة في الفترة الواقعة بين عامي1925-1929 انخفض سعر السكر في أثناء الأزمة بمقدار74% والحرير بمقدار75% والمطاط بمقدار93% وبشكل عام فان معدل الأسعار بالنسبة لمنتوجات هذه الأقطار انخفض إلى حوالي نصف ما كان عليه قبل الأزمة، وكان لانخفاض معدلات التصدير في البلدان النامية وتدني أسعار منتجاتها أثره الواضح في تدني القوة الشرائية لدى ابناء شعوبها مما ادى إلى تقليص استهلاكها.
يمكن أن نلخص ما تقدم بالأتي
الأزمة الاقتصادية العالمية ( 1929-1933) وانعكاساتها على العلاقات الدولية
عانت المجتمعات الرأسمالية منذ عام 1825 من أزمات اقتصادية دورية تحولت إلى أحدىخصائصها الملازمة لها والناجمة عن عوامل وقوانين محدودة ذات مردودات متشابه في إطارهاالعام ، ومنذ العام 1857 اتخذت ألازماتالرأسمالية طابعاً عالمياً وذلك بحكم التطور الكبير الذي طرأ على العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين البلدان ، إن اخطر أزمة اقتصادية من هذا النوع هزت العالم في ذلك الوقت هي تلك التي ظهرت بوادرها فجأة في خريف عام 1929في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تمثل اكبر دولة رأسمالية منذ أكثر من نصف قرن قبل هذا التاريخ ، وبالرغم من إن هذه الأزمة لم تختلف عن الأزمات السابقة في دوافعها ونتائجها إلا إن لها خصائص تختلف عن الأزمات السابقة ومن ابرز هذه الخصائص هي :
1ـ كانت أوربا هي مركز الأزمات السابقة أما في أزمة عام 1929 كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي مركز الأزمة ثم انتقلت إلى أوربا وباقي دول العالم.
2ـ كانت الأزمات الاقتصادية السابقة تبدأ وتنتهي في وقت واحد تقريباً ، أما في هذه الأزمة اختلفت بداياتها ونهاياتها حسب البلدان وذلك بحكم عوامل محدودة فعلى صعيد القارة الأوربية أنها بدأت في ألمانيا قبل بريطانيا وفرنسا .
3ـ كانت هذه الأزمة اخطر وأعمق أزمة اقتصادية مر بها العالم حتى ذلك الوقت كما يبدو ذلك واضحاً من خلال الأرقام والحقائق يكفي القول إن الخسائر المادية التي جلبتها الأزمة معها كانت تعادل الخسائر الجسيمة التي سببتها الحرب العالمية الأولى التي تقدر بما يعادل 360 مليار دولار.
4ـ تعدَ هذه الأزمة أطولأزمة اقتصادية عرفها التاريخ حتى ذلك الوقت من حيث إطارها الزمني ، فان الأزمات الاقتصادية السابقة ما كانت تستمر لأكثر من أشهر في العادة ، بينما هذه الأزمة بدأت في خريف عام 1929 وانتهت في أفضل الأحوال في صيف عام 1933وحتى بعد انتهائها فان أي منطقة كانت واقعة تحت تأثيرها كانت تحتاج إلى عامين أو ثلاثة أعوام حتى يعود نشاطها الاقتصادي إلى مستوى ما قبل الأزمة .
5ـ امتد أثار هذه الأزمة إلى بلدان مختلفة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ لتصبح عالمية بمعنى الكلمة.
6ـ تشابكت أثار هذه الأزمة بشكل لم تعرفه الأزمات الاقتصادية السابقة ،فكان قطاع الصناعي هوالأكثرتضرراً من غيره ، إلا إن أثار هذه الأزمة امتدت لتشمل كل القطاعات الأخرى مثل الزراعية والتجارية والمالية .
إن هذه الخصائص التي ذكرناها تتجلى أكثر من خلال استعراض عام لبعض الحقائق المرتبطة بالأزمة ونتائجها ، فان مجمل الإنتاج العالمي قد تقلص في سنوات الأزمة بمقدار يزيد عن الثلث فبالنسبة للفحم مثلاً انخفض الإنتاج بمقدار يزيد عن 30% وبالنسبة للحديد والصلب بلغ معدل الانخفاض أكثر من 60% وبالنسبة للقطن حوالي 27% بينما تراوح أقصى ما بلغه معدل تدهور الإنتاج في الأزمات السابقة ما بين 10 و 15%.
أما الأسباب التي أدت إلى حدوثها هي كثيرة لكن من أبرزها هي :
في خريف 1929 حدثت في العالم أزمة اقتصادية ومالية لم يسبق لها مثيل وكانت لهذه الأزمة أصداء سياسية هامة على الصعيد الداخلي للأنظمة أو على صعيد العلاقات الدولية ، بدأت هذه الأزمة بضربة مالية في سوق نيويورك في 24 تشرين الأول 1929 التي دخلتالتاريخ باسم الخميس الأسود , إذ انهارت أسعار العملات انهياراً كبيراً وانخفضت بالتالي أسعار المواد ,ومما زاد الوضع سوءاً انه حدث بشكل مفاجئ قاد إلى إفلاس شركات كبرى في العالم هذه الأزمة الاقتصادية العالمية والتي عرفت باسم الركود العظيم كانت لها أسبابها العديدة :
1ـ لقد اعتبر بعض الاقتصاديين قلة كمية الذهب الموجود في العالم كأساس للتبادل الدولي والعالمي سبب تدهور الأسعار , بينما اعتبر البعض الأخر ازدياد كميات الفضة وانخفاض قيمتها عامل من عوامل الأزمة , لان ازدياد كميات الفضة قللت من القوة الشرائية التي تعتمد على العملة الفضية الأمر الذي أدى إلى تدهور تجارتها .
2ـ الكميات الزائدة في الإنتاج الزراعي الهائل بسبب تدهور الأسعار وانخفاض القوى الشرائية لدى الفلاحين فأصبح الإنتاج الزراعي متراكماً .
3ـ إن الاختراعات الكثيرة أثناء الحرب أو بعدها , قللت من الأيدي العاملة فانتشرت البطالة ولم يكن باستطاعة العاطلين شراء المصنوعات , كما إن المكائن الحديثة الضخمة أكثرت من إنتاج البضائع فتراكمت دون إن تجد أسواق لصرفها , فاضطر أصحاب المصانع لغلق مصانعهم فانتشرت البطالة وانخفضت القوة الشرائية أكثر فأكثر.
4ـ إن الدول التي حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية الأولى أكدت على التصنيع وإنتاج البضائع لسد حاجاتها ووضعت ضرائب على البضائع المستوردة فأثر ذلك على التجارة العالمية أيضاً . وبحلول عام 1930 انتشرت البطالة وقل الإنتاج الصناعي وتقلصت التجارة العالمية تقلصاً عظيماً .
أصل الأزمة الأمريكية : كان رجال الأعمال والصناعة الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى يعتقدون بان هذه الحركة الصاعدة يمكن إن تستمر بعد عام 1919 وكانت هذه نظرية فورد فقد كان يرى بأنه يكفي شرطان لنمو الصناعة باستمرارالأول : خلق حاجات جديدة في سوق المستهلكين , وثاني : تغذية هذه الحاجة بإعطاءالأجور العالمية , الأمر الذي أدى زيادة قوة الشراء لدى الجمهور , غير إن الإنتاج الصناعي منذ عام 1925 أخذت منافذه في قارة أوربا تقل , وذلك لان أوربا بعد الحرب استعادة تقريباً إنتاجها الذي كان في عام 1912 ، ولإنعاش الرخاء الأمريكي اتجه الرأي بين عام 1924 -1929 إلى ما يسمى بالمنشطات الاصطناعية وأول هذه المنشطات تضخيم الاعتمادات، ولهذا الغرض وضعت المصارف الأمريكية اعتمادات ضخمة تحت تصرف المنتجين الأمريكيين والأوربيين وبصورة خاصة أوربا الوسطى , مثل ألمانيا والنمسا فلقد تلقت اعتمادات كبيرة جداً شريطة إن تشتري الولايات المتحدة المواد الأولية التي تحتاجها الصناعات الغذائية والدوائية وخصوصاً الصناعات الغذائية , وبعد سنوات حصل انهيار في سوق البورصة في نيويورك في 24 تشرين الأول 1929 وكانت انطلاقة الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم حتى عام 1932 .
انعكاسات الأزمة عالمياً : كما سلفنا إن الأزمة امتدت من الولايات المتحدة إلى أوربا ولعل أول المتأثرين بها هما ألمانيا والنمسا وقد كانت الأحوال المالية والاقتصادية في ألمانيا والنمسا مزعزعة منذ الحرب العالمية الأولى على الرغم من الرخاء الظاهر الذي شهدته هاتان الدولتان بين عام 1924 -1930 , وكانت المساعدات الأمريكية والقروض الأجنبية الأخرى سبباً لهذا الرخاء ، ولكن الأزمة الأمريكية في تشرين الأول عام 1929 وما تبع ذلك من بطالة وهبوط في الأسعار كانت كافية لزعزعة البنك المركزي النمساوي حيث استودع فيه ثلثا الاعتمادات المالية النمساوية ووجد البنك النمساوي صعوبة في مواجهة خسارته خاصة الاعتمادات الأجنبية واضطرت الحكومة النمساوية إلى مساعدة البنك النمساوي .
قدعمت الأزمة أوربا الوسطى بسرعة فشملت ألمانيا أيضا حيث بدء المستثمرون الأجانب يسحبون رؤوسأموالهم من مصنع كبير كانوا يقومون بتمويله ، وفي تموز 1931 لم يستطع البنك الداعملهذا المصنع من مواجهة خسارة هذا المصنع وحاولت الحكومة الألمانية الحصول على مساعدات أجنبية لكنها جوبهت بعدم الثقة في كل مكان , عندئذ أعلنت الحكومة الألمانية في منتصف تموز من العام نفسه إغلاق البنوك مدة من الزمن ولما افتتحت البنوك بعد أيام كانت الحكومة الألمانية قد اتخذت إجراءات تحول دون التدهور المالي ، وقد أثرت الأزمة الاقتصادية في النمسا وألمانيا على بريطانيا أيضا , وقد لعبت بريطانيا دور في إعادة البناء الاقتصادي الألماني والنمساوي , وكان من الطبيعي إن تؤثر أي حادثة في أي دولة على بريطانيا ولأجلإنقاذ دول أوربا الوسطى أعلن الرئيس الأمريكي هربرت هوفر عن إيقاف دفع التعويضات من قبل ألمانيا لمدة عام واتخذت الدول الأوربية الأخرى إجراءات مماثلة لمساعدة ألمانيا وتعزيز اقتصادها ، ولما كانت المصالح المالية البريطانية منتشرة جداً وميزانها التجاري وقروضها واعتماداتها التي استند عليها استقرارها الاقتصادي حساس جداً للازمات ، اضطرت الحكومة البريطانية إلى إن تتخذ إجراءات سريعة لمعالجتها , لقد كانت أزمة البنك الألماني مفاجئة لبريطانيا حيث لم تستطع سحب اعتماداتها من ألمانيا بسبب غلق البنوك الألمانية وبدأت الدول الأجنبية تسحب اعتماداتها من لندن مما زعزع الميزان التجاري البريطاني فخرجت بريطانيا من القاعدة الذهبية في أيلول 1931 واضطرت إلى تخفيض عملتها وتخفيض سعر البضائع البريطانية في الأسواق الأجنبية ، وقد خرجت أكثر من 20 دولة من نظام العملة الذهبية وبقيت الولايات المتحدة وألمانيا وايطاليا وفرنسا متمسكة بالقاعدة الذهبية ، وكان تأثير الأزمة على فرنسا متأخر ولم يكن عنيف كألمانيا وبريطانيا , ففرنسا كانت تهتم بصورة خاصة بالتعويضات التي كانت تدفعها ألمانيا إلى فرنسا واقترحت عدة مشاريع للدفع منها ما عرف ببرنامج باتيك الذي اقترح إن تدفع ألمانيا التعويضات خلال 58 عاماً بل إن فرنسا تخلت فيما بعد عن الحقوق التي وضعتها في البرنامج .
نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية
لقد كان هناك نتائج عديدة للازمة أهمها
أولاً/من الناحية العملية :
كانت نتيجة الأزمة هي استمرار البطالة إذ بلغ عدد العاطلين في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 15 مليون عاطل وفي ألمانيا أكثر من 5 مليون عاطل فاضطرت كل دولة إن تعتمد على مصادرها الذاتية واقتصادها وتحميها عن طريق التعريفة الجمركية على المستوردات وكذلك اهتمت كل حكومة بتنظيم نظامها النقدي وقل الاعتماد على التبادل العالمي للبضائع والخدمات وكانت هذه الخطوة ضربة قاضية للتجارة العالمية .
ثانياً/ من الناحية النظرية :
كانت للازمة نتائج أخرى ذات أهمية عامة فهي أزمة النظام الرأسمالي فهذا النظام يعتمد على الحرية الاقتصادية وحرية تثبيت الأسعار من خلال المنافسة وعلى الحرية الفردية بصورة عامة ولكن الأزمة الاقتصادية أدت إلى فقدان ذلك الرخاء لأكثر الدول الرأسمالية , عند ذلك طبقت نظام الاقتصاد الموجه فبعد إن كان الاقتصاد حراً عملت الأزمة على إن يكون موجهاً من قبل الدولة , مما خلق ضعفاً في المشاريع وهكذا فأن الدول الرأسمالية لاقت الأمرين مما جعلها مهيأة لحدوث أزمة سياسية عالمية جديدة وعموماً لم تتحسن الأوضاع إلا بعد عام 1933علماً إن أوربا لم تستطع استعادة الرخاء الذي كان منتشراً قبل عام 1927 إلا في السنة الأخيرة قبيل الحرب العالمية الثانية .