
اساسية ديالى تنظم ندوة ثقافية عن القضية الحسينية .. بداية التأسيس وعوامل الامتداد
ضمن انطلاق فعاليات الموسم الثقافي السادس لذكرى استشهاد “الإمام الحسين (عليه السلام) وتحت شعار (الإمام الحسين عليه السلام رمز وحدتنا) المقام في جامعة ديالى، بمناسبة الذكرى العاشورائية الخالدة حيث استشهاد ابي الأحرار الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام أجمعين، ولتعزيز الوعي الثقافي والفكري لدى الطلبة وتسليط الضوء على القضايا التاريخية والدينية ذات الأبعاد الإنسانية، وبرعاية السيد رئيس جامعة ديالى الأستاذ الدكتور تحسين حسين مبارك وإشراف الأستاذ المساعد الدكتور ايمن عبد عون عميد كلية التربية الأساسية.
نظمت كلية التربية الاساسية وبالتعاون مع قصر الثقافة والفنون – ديالى احد تشكيلات دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة والسياحة والاثار ندوة ثقافية عن (القضية الحسينية .. بداية التأسيس وعوامل الامتداد) على رحاب قاعة الدكتورة انعام الشيباني صباح يوم الاثنين الموافق 7 تموز 2025 وبمشاركة جمع غفير من الأساتذة والموظفين والطلبة والمهتمين بالشأن الثقافي، إلى جانب نخبة من الباحثين والأكاديميين المختصين بالتاريخ الإسلامي والفكر الحسيني وشخصيات اكاديمية وثقافية واعلامية.
استُهلت الندوة بكلمة ترحيبية ألقاها الاستاذ الدكتور عبدالرزاق جدوع محمد مقرر الجلسة، أكد فيها على أهمية طرح مثل هذه المواضيع التي تشكل جزءًا محوريًا من الهوية الثقافية والروحية، مشيرًا إلى أن القضية الحسينية ليست مجرد حدث تاريخي، بل منظومة قيمية تمثل نموذجًا للثبات على المبادئ ومواجهة الظلم.
هدفت الندوة الى تعميق الوعي الثقافي والديني لدى الطلبة والمشاركين من خلال تسليط الضوء على أبعاد القضية الحسينية فكريًا وتاريخيًا، واستجلاء معاني النهضة التي قادها الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من محرّم، من حيث جذورها، ومبادئها، وأثرها الممتد عبر العصور. كما تسعى إلى ربط الأجيال الشابة بالقيم الإنسانية الخالدة التي جسّدتها واقعة كربلاء، كالعدل، والحرية، ورفض الظلم، والثبات على المبدأ، بالإضافة إلى إبراز البعد الثقافي والبكائي كوسيلة للتعبير عن الولاء والتفاعل الوجداني مع القضية.
وقدّم في الندوة عدد من الباحثين أوراقًا علمية تناولت مختلف الجوانب الفكرية والتاريخية للقضية الحسينية، حيث تطرّق السيد فاضل حاتم الموسوي إلى “محور بداية التأسيس: الحسين عليه السلام كرمز للثورة والنهضة”، وخُصّص جزءٌ مهم لتقديم عرض تاريخي توثيقي حول قضية الإمام الحسين عليه السلام، مستعرضا فيه التسلسل الزمني للأحداث التي سبقت واقعة الطف، والظروف السياسية والاجتماعية التي مهدت للثورة الحسينية.
بدأ العرض بتوضيح بعض الملاباسات وشروط الصلح التي لم تُلتزم، مما مهّد لمرحلة انتقال الحكم إلى نظام وراثي عبر توريث يزيد، وهو ما رفضه الإمام الحسين عليه السلام، لما رأى فيه من خروج واضح عن مبادئ الإسلام وفساد في إدارة شؤون الأمة.
سلّط المحاضر الضوء على تحرّك الإمام الحسين من المدينة إلى مكة، ثم إلى كربلاء بعد تلقيه رسائل من أهل الكوفة يدعونه للقدوم، مؤمنين بأنه يمثل الامتداد الشرعي والروحي للنبي محمد ﷺ.
وجاء في العرض وصف تفصيلي للأحداث التي وقعت في العاشر من محرم سنة 61 هـ، حيث حوصر الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه، وقطعت عنهم المياه، وصولًا إلى المواجهة الدامية التي انتهت باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأغلب من كان معه، في مشهد مأساوي لا يزال حاضرًا في الذاكرة والضمير الإنساني.
وأكد العرض على أن واقعة عاشوراء لم تكن مجرد معركة، بل كانت صرخة حق في وجه باطل، وموقفًا مبدئيًا من الظلم والانحراف عن رسالة الإسلام، ما جعل منها حدثًا تجاوز التاريخ والزمن، ليصبح رمزًا للثبات على المبادئ والوقوف في وجه الطغيان.
بينما تناول الدكتور حيدر التميمي محور “عوامل الامتداد: كيف استمرت عاشوراء كظاهرة ثقافية واجتماعية عبر العصور”، إضافة إلى مداخلات أثرت النقاش وسلطت الضوء على البعد الإنساني والإصلاحي في النهضة الحسينية. واثار جانبًا وجدانيًا وعقائديًا مهمًا، تمثّل في التساؤل الجوهري: “لماذا نبكي على الإمام الحسين عليه السلام؟”، بدأ الدكتور مداخلته بالتأكيد على أن البكاء على الإمام الحسين ليس تعبيرًا عن الحزن فقط، بل هو فعل يحمل أبعادًا روحية وثقافية ورسالية. وأوضح أن البكاء في الثقافة الإسلامية، خصوصًا في المدرسة الحسينية، يُعدّ نوعًا من التفاعل الوجداني العميق مع القيم التي ضحّى من أجلها الإمام الحسين عليه السلام.
وأشار إلى أن الدموع على الحسين تُجسّد الانتماء إلى معسكر الحق، ورفض الظلم، ومشاركة وجدانية في مصابٍ لم يكن مأساويًا فحسب، بل كان موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا خالدًا.
وتطرّق الدكتور أيضًا إلى الجانب التربوي والتعبوي للبكاء الحسيني، معتبرًا إياه وسيلة للحفاظ على الهوية، ولتربية الأجيال على القيم النبيلة التي جسدها الحسين وأصحابه في كربلاء. وأشار إلى أن البكاء نفسه يصبح موقفًا مقاومًا، يتحدى محاولات طمس الحقيقة أو التزييف التاريخي، ويعيد سرد الواقعة بطريقة تحفظ جوهرها الإنساني.
وختم المحور بنداء إلى الشباب والطلبة بضرورة فهم البكاء على الإمام الحسين كجزء من منظومة وعي وارتباط بقضية أكبر من الحدث التاريخي، بل تمس جوهر الإنسان وموقفه من العدالة والظلم.
وخلال مداخلته، أكد السيد عميد الكلية الاستاذ المساعد الدكتور ايمن عبد عون على أهمية استمرار إقامة الندوات الفكرية والثقافية التي تسلط الضوء على القضايا التاريخية والدينية ذات الأثر العميق في تشكيل الوعي المجتمعي، مشيرًا إلى أن مثل هذه الفعاليات لا تقتصر على كونها نشاطًا أكاديميًا، بل تمثّل رافدًا معرفيًا وتربويًا يعزز الانتماء والهوية ويُسهم في بناء جيلٍ واعٍ بقضاياه الحضارية والروحية. وطرح سؤالًا محوريًا أثار اهتمام الحضور، وهو: “هل كان الإصلاح الذي نادى به الإمام الحسين عليه السلام ذا طابع سياسي أم ديني؟”
وأشار الدكتور في كلمته إلى أن فهم طبيعة ثورة الإمام الحسين يتطلب نظرة شمولية تتجاوز التقسيمات التقليدية بين ما هو ديني وما هو سياسي، موضحًا أن حركة الإمام الحسين جاءت استجابة لانحراف شامل في بنية الحكم والمجتمع آنذاك، انحراف مسّ جوهر الإسلام وقيم العدالة والشورى والمساواة.
وأكد أن شعار الإمام الحسين “إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي” يُعبّر عن مشروع إصلاحي شامل، يستهدف إصلاح السلطة والسياسة من جهة، والدين والمجتمع من جهة أخرى. وقال:
“الإمام الحسين لم يكن مجرد معارض سياسي، بل كان حاملًا لمشروع إصلاحي يهدف إلى إعادة الأمة إلى المسار القيمي الذي انحرفت عنه، لذلك فإن الإصلاح الذي دعا إليه لم يكن سياسيًا فقط، ولا دينيًا فقط، بل هو إصلاح حضاري يتداخل فيه ما هو ديني بما هو اجتماعي وسياسي وأخلاقي.”
وختم مداخلته بالتأكيد على أهمية استلهام روح الإصلاح الحسيني في واقعنا المعاصر، مشددًا على أن النهضة الحسينية ستظل مصدر إلهام لكل حركة تطالب بالعدالة والكرامة ورفض الاستبداد.
وفي ختام الندوة، فُتح باب الحوار والنقاش مع الحضور، حيث عبّر العديد من الحاضرين عن اهتمامهم بتكرار مثل هذه الفعاليات التي تربط الماضي بالحاضر وتغني الفكر وتعمّق الفهم.

