ماهي الشخصية
الشخص والموقف The Person and the situation
هل ان سلوكنا يتشكل بواسطة الموقف الذي نمر به او بواسطة نوع الشخص الذي نحن عليه؟ في الحادي عشر من سبتمبر ،هل تصرف الناس بالطريقة التي تصرفوا بها بسبب الاحداث التي تحيط بهم ، ام ان ردود فعلهم كانت نتيجة لنوع الشخص الذي كانوا عليه قبل الحدث؟ هذا هو احد الاسئلة الدائمة في علم النفس . الجواب المتفق عليه عموما هذه الايام هو ان كلا من الموقف والشخص يساهمون في السلوك. بالتاكيد نحن لانتصرف بنفس الطريقة في كل المواقف. اعتمادا على اين نحن وما حدث ، كل واحد منا يمكن ان يكون ودي ،خجول ،عدواني ،ودود ، مكتئب، خائف او متحمس. ولكن من الواضح ان الجميع ليس على ذات الجانب ، فلا يتصرف الناس بنفس الطريقة في ملعب لكرة القدم او في مركز للتسوق. ان الجدال بين علماء النفس قد تحول الان الى السؤال حول كيف يؤثر الموقف في سلوكنا وكذلك كيف يعكس سلوكنا شخصيتنا.
يمكننا ان نقسم مجال البحث في علم النفس بالتوافق مع اجابة ذلك السؤال. العديد من علماء النفس اهتموا بكيفية استجابة الناس عادة الى متطلبات البيئة. ميزة هذه البحوث ان ردود فعل جميع الاشخاص ليست متشابهة بذات الموقف ، ولكن هدفهم هو تحديد الانماط التي تصف عموما ما الذي سيفعله غالبية الناس. بينما علماء النفس الاجتماعي ربما ابتكروا مواقف مختلفة والتي شاهد فيها المشتركين اشخاص بحاجة الى مساعدة. والغرض من هذا البحث هو للتعرف على نوع المواقف التي يمكن ان تزيد او تقلل من سلوك المساعدة. علماء نفس الشخصية قلبوا هذا النوع من التفكير بالعكس تماما. نحن نعلم ان هناك انماط نموذجية من الاستجابة للمواقف ، ولكن ماوجدناه اكثر اهمية هو لماذا يميل بيتر نحو المساعدة بصورة اكبر من بول، حتى عندما يتعرضون لموقف بنفس المتطلبات.
ربما تكون قد سمعت القول الماثور ،” هناك فروق قليلة بين الناس ، لكن ذلك الفرق مهماً بالتاكيد”. وهذا يتجه الى تلخيص وجهة نظر علماء نفس الشخصية. انهم يرغبون بمعرفة مالذي يجعلك مختلفا عن الشخص الذي يجلس بجانبك. لماذا يستطيع بعض الناس تكوين صداقات بسهولة، بينما يعيش اخرون وحيدين؟ هل نستطيع ان نتنبأ بمن سيرتقي الى قمة قيادة الاعمال ومن الذي سوف يفشل سريعا؟ لماذا بعض الاشخاص انطوائيون بينما اخرون يميلون الى الاختلاط؟ كل هذه الاسئلة تم استكشافها في هذا الكتاب . مواضيع اخرى غطيت بما في ذلك كيف ترتبط شخصيتك بالاستجابة للمنوم ( المخدر)، ردود الفعل للضغوط، كيف تؤدي في المدرسة وحتى ما هو احتمال اصابتك بنوبة قلبية.
وفي هذا لا لكي نقول ان الموقف ليس مهم او هو خارج اهتمام علماء نفس الشخصية. في الحقيقة ، و كما تم نقاشه في الفصل السابع ، ان العديد من هذه الاسئلة تم اثارتها من قبل الباحثين في الشخصية مع اهتمامهم بالكيفية التي يتصرف فيها اشخاص معينين في مواقف محددة. ومع ذلك ان تركيز هذا الكتاب يتمحور حول ما الذي يجعلك تختلف عن الشخص الذي يقف بجانبك – تلك هي شخصيتك. قبل ان نعنون سؤالنا دعنا نبدأ بتعريف “الشخصية”.
– تعريف الشخصية The personality
كل شخص قد درس في جامعة فانه من المحتمل انه توقع ان يكون موضوع المحاضرة الاولى حول تعريف المصطلح. مثلا ان استاذ الفلسفة سوف يسأل ” ماهي الفلسفة؟” وفي المحاضرةالاولي لمركز الاتصالات communication السؤال هو “ماهي الاتصالات؟” أولئك الذين يدرسون الجغرافية، التاريخ و التفاضل والتكامل لديهم محاضرات مشابهة. وهكذا لأسباب عملية وتقليدية فان استاذ علم النفس ايضا سيبدأ بسؤال اساسي هو “ماهي الشخصية؟”
بالرغم من التعريف التالي يجب علينا ان نضع في اذهاننا من ان علماء النفس لم يتفقوا على اجابة واحدة لهذا السؤال. في الحقيقة علماء نفس الشخصية قد دخلوا في نقاش مستمر وربما لن ينتهي في كيفية وصف شخصية الانسان وماهي المواضيع التي تنتمي لهذا العلم الفرعي من علم النفس (Mayer، 2005; McAdms& Pals،2006)
علماء الشخصية لديهم افكار مختلفة حول ما يجب على علماء النفس ان يدرسوه. فبينما اشار احد المنظرين الى اليات اللاوعي، نظر اخر الى تاريخ التعلم، وبقي اخر ينظر الى الطريقة التي ينظم بها الناس افكارهم. ايضا ربما يجد بعض الطلاب احباطا من نقص التوافق بين العلماء، دعني اقترح من البداية ان هذا الاختلاف في وجهات النظريعطي لاطار العمل اثارة واغناء والتي بها يمكن استكشاف الطبيعة المعقدة للفرد.
الشخصية يمكن ان تعرفكأنماط سلوكية متسقة و عمليات داخلية نشأت داخل الفرد. عدة جوانب في هذا التعريف البسيط تحتاج الى تفصيل . لاحظ انه يتكون من جزأين . الجزء الاول يهتم بالأنماط المتسقة للسلوك. الباحثون في مجال الشخصية عادة يشيرون الى هذه كاختلافات فردية. النقطة المهمة هنا هي هل ان الشخصية متسقة. بإمكاننا التعرف على هذا الاتساق في الانماط السلوكية عبر الزمن وعبر المواقف. نستطيع التوقع من ان الشخص الودود outgoing اليوم سيكون ودودا غدا. الشخص المتنافس في العمل من المحتمل جدا ان يكون متنافسا في الرياضة . نحن بذلك نعترف بهذا الاتساق في الشخصية عندما نقول،” انها هي لتقوم بذلك” او “كان كما عرفناه” بالطبع هذا لا يعني انه شخص منفتح وصاخب ومرح في كل الاوقات، في المناسبات الرسمية كما هو في الحفلات. ولايعني بالطبع ان الناس لايمكنهم التغير. لكن اذا كانت شخصيته واضحة وسلوكه ليس عبارة عن ردة فعل لموقف معين وجد نفسه فيه حينئذ يجب ان نتوقع بعض الاتساق في طريقة سلوك الناس.
الجزء الثاني من التعريف يهتم بالعمليات الداخليةProcesses Intrapersonal. بالنقيض من العمليات الخارجية Interpersonal Processes ، التي تأخذ مداها بين الناس فالعمليات الداخلية تتضمن كل العواطف و الدوافع والعمليات المعرفية التي في داخلنا والتي تؤثر على الكيفية التي نسلك ونشعربها. ولهذا سوف تجد العديد من علماء الشخصية منهكين بمواضيع مثل الكأبة ومعالجة المعلومات والسعادة والانكار. بطبيعة الحال بعض هذه العمليات مشتركة بين جميع الناس . على سبيل المثال ، طبقا لبعض المنظرين، كل واحد منا لديه نفس القدر من تجارب القلق او معالجات متشابهة للتعامل مع الاحداث المهددة. مع ذلك الكيفية التي نستخدم بها هذه العمليات وكيف تتفاعل مع الفوارق الفردية تلعب دورا في تحديد خصائصنا الفردية.
ايضا من المهم ان نلاحظ ، طبقا للتعريف، هذه الانماط المتسقة من السلوك والعمليات الداخلية تنشأ داخل الفرد. ليس هذا لنقول ان المصادر الخارجية لا تؤثر في الشخصية. بالتأكيد الطريقة التي ربى بها الابوين اطفالهم تؤثر في نوع الراشد الذي سيصبح عليه ذلك الطفل. وبالطبع المشاعر التي نختبرها هي في الغالب ردود فعل للأحداث التي نواجهها. ولكن النقطة هي ان السلوك هو ليس فقط دلالة على الموقف. ان الخوف الذي نجربه حين نشاهد فلم رعب هو نتيجة للفلم، لكن الطرق المختلفة التي نعبر بها او التي نتعامل بها مع الخوف تأتي من الداخل.