دور الشباب والجامعة في تفعيل المشاركة السياسية م.م. أحمد صادق المندلاوي كلية التربية الأساسية / قسم اللغة العربية
دور الشباب والجامعة في تفعيل المشاركة السياسية
م.م. أحمد صادق المندلاوي
كلية التربية الأساسية / قسم اللغة العربية
لا شك أن قضية الشباب تطرح نفسها بكل ثقلها فى هذه المرحلة من العمل الوطنى لأسباب تتعلق بهموم الشباب نفسه ولاسباب تتعلق بمتغيرات المجتمع وتوجهاته الجديدة وافرازاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية. ويزيد من صعوبة التناول لقضية الشباب أنه ليس قطاعاً رأسياً يمكن دراسته والبحث عن قضاياه المتعددة بسهولة كما فى القطاعات الرأسية الأخرى فى المجتمع , فالشباب قطاع أفقي يتغلغل داخل كل القطاعات التي يتكون منها البنيان السكاني.
والشباب هو نتاج المجتمع بما فيه من نجاحات واخفاقات، ومن عوامل ومؤثرات وما يملك من حصاد التجربة وارث الحضارة فالشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل .
فنحن في العراق نملك ثروة بشرية قادرة على العمل والانتاج, وإذا كان البعض ينظر إلى هذه الامكانات البشرية كعبء أو كمشكلة ،فإن البعض الآخر يرى فيه الحل لكافة مشاكل المجتمع.
وإذا كانت هناك اجتهادات عديدة لبلورة اطار محدد لمفهوم الشباب، فإنه يمكن على الاقل التمييز بين اتجاهين رئيسيين فى هذا المجال , احدهما يرى الشباب مجرد مرحلة محدودة من العمر، وثانيهما يرى الشباب حالة نفسية تمر بالانسان ويمكن أن تعيش معه فى أى مرحلة عمرية، وتتميز بالحيوية والقدرة على التعلم ومرونة العلاقات الانسانية.
وطبقا للاتجاه الاول فإن المقصود بالشباب هو المرحلة العمرية التالية للصبا والسابقة للنضج فتنحصر ما بين 15 – 25 عاماً (وأحياناً 35 عاماً) وهى مرحلة مفعمة بالطاقة والنشاط وامكانية اكتساب الجديد من المعارف والمعلومات والمهارات وتحمل المسئولية الى جانب مرونة وعدم جمود العلاقات الانسانية.
ويؤكد علماء النفس أن مرحلة الشباب عبارة عن مرحلة نمو وانتقال بين الطفولة والرشد لها خصائصها المتميزة عما قبلها وبعدها وقد تتخللها اضطرابات ومشكلات يسببها ما يتعرض له الشباب فى الأسرة والمدرسة والمجتمع من ضغوط فهى مرحلة تحقيق ذات ونمو الشخصية وصقلها وهى نقطة ضعف وثغرة يحتاج فيها الشباب إلى مساعدته للأخذ بيده وهو يعبرها ليصل إلى مرحلة الرشد بسلام.
ويمكن إلقاء الضوء على دور الشباب فى المشاركة من خلال النقاط التالية :
أولاً : سمات مرحلة الشباب
تعد مرحلة الشباب من أهم مراحل الحياة فخلالها يكتسب الفرد مهاراته الانسانية البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية اللازمة لتدبير شئون حياته وتنظيم علاقاته مع الآخرين.
1ـ الاستعداد للتغيير :
ولأن الشباب بحكم الطبيعة مرحلة تغير بيولوجي ونفسي واجتماعي يعيشها الانسان، فإنها يمكن أن تتسق مع تغييرات مقابلة فى الثقافة المادية والمعنوية , وأساليب الحياة وطرقها، تلك التغيرات التى تعنى بها وتستهدفها التنمية وبالتالى فإن التنمية كتغيير تجد أخصب الفرص وأثراها للنجاح فى وسط بيئة الشباب المتغيرة بطبيعتها.
ويؤكد ذلك أن الفرد فى مرحلة الشباب يكون فى طور تلقي واكتساب قيم المجتمع وتقاليده وعاداته , ولم ترسخ بعد فى نفسه أو تتغلغل فى ذاته ومن ثم لم تصبح جزءا وطيداً من نسيجه القيمي والثقافي , وهو ما يجعل تقبله للقيم الجديدة التى تأتى بها التنمية أكثر يسراً وبساطة إذا ما قورن بكبار السن الناضجين أولئك الذين أصبحت القيم والثقافة السائدة جزءا لا يتجزأ من خصائصهم الذاتية ويبادرون بالدفاع عنها ضد محاولات تغييرها، ومن ثم لا يلاقون جهود التنمية فى هذا المضمار بالمقاومة والصد والرفض.
2ـ الطموح والتطلع للمستقبل :
تتميز مرحلة الشباب بأنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة فى إطار من المثاليات , فمرحلة الشباب هى المرحلة التى تتمثل فيها وبدرجة عميقة المثل العليا للحياة، وتبدو فيها واضحاً التطلع لمستقبل زاهر قبل أن تأتي مراحل العمر التالية لتصدمه خلال الحياة بمعاناتها وتطحنه بصراعاتها وتفرض عليه التكيف بالتنازل عن كثير من آماله وطموحاته ومثالياته التى عاشها خلال مرحلة الشباب , وهذا يجعل من الطبيعى أن يكون الشباب هم أكثر فئات المجتمع مساندة لعملية التنمية، وهم جيشها الحقيقى القادر على تحمل مسئوليات تضحياتها من منطلق رغبتهم الأكيدة وتطلعهم إلى بناء مستقبلهم من خلال هذه التنمية.
3ـ التذبذب والتردد :
والشباب فى كل مجتمع وإن كانوا نبع الطاقة الحيوية، فإنه يشكل مجموعة من المتناقضات التى لابد من فهمها وتقبلها. فالفرد خلال هذه المرحلة العمرية تتناوبه مشاعر وأحاسيس شديدة التقلب وتنعكس على تصرفاته بنفس الدرجة فهو قد يكون مرحاً فى يوم عابساً فى يوم آخر، عقلانيا تارة وعابثاً تارة أخرى قابلا للنصح والارشاد فى فترة ورافضاً وساخطاً فى فترة أخرى. هذا التذبذب فى التفكير والمشاعر والسلوك بين وقت وآخر، يعكس الصراع الذى يدور داخل الشباب جسدياً وعقلياً وانفعالياً، فهو حائر بين طموحه اللانهائى وامكانات تحد من هذا الطموح.
4ـ القدرة على اكتساب المعلومات :
فقد أدى العصر الحديث بمتغيراته المتنوعة وثورة الاتصال والتقدم الهائل فى تقنياته ووسائله، الى تيسير حصول الشباب على كم كبير من المعلومات فى أى مجال من مجالات المعرفة , فالبيئة المحيطة بالشباب تموج بالمعلومات من خلال وسائل الاتصال المختلفة، فضلاً عن أن الشباب أصبح معرضاً ـ بدرجة أكبر من شباب الأجيال السابقة ـ لآراء متعددة ووجهات نظر متباينة وأفكار مختلفة فى مختلف مجالات وميادين الحياة مثل الدين والاجتماع والاقتصاد والسياسة والاخلاق , ولا شك أن هذا الاتساع الرحب للمعارف والآراء المتاحة يعد فى صالح الجيل الراهن من الشباب، إلا أن ذلك يواكبه فى نفس الوقت عدم توافر سبل الارشاد لايضاح ما هو زائف وما هو صحيح فى وسط هذا الخضم المتلاطم من المعلومات والآراء المتدفقة مما يعد مصدراً رئيسياً لكثير من مشاكل شباب الجيل الحالى.
هذا بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من شباب الجيل الحالي قد حظيت بتلقى تعليم نظامي أعلى بكثير فى المستوى وأطول فى المدة من الأجيال السابقة، مما أسهم فى تحسين مستوى النضج العقلى الانفعالى لشباب اليوم إذا ما قورن بأقرانهم فى العمر من الأجيال السابقة، وهو ما انعكس على كون الشباب المعاصر يشكل مجموعة مستنيرة ولديها خبرة فى أمور عديدة بدرجة لم تكن متوافرة لأمثالهم فى فترات سابقة مما خلق مشاكل الاغتراب عن المجتمع، لعدم قدرة المجتمع على استيعاب امكاناتهم الجديدة والمتلاحقة، فكان المقابل مزيد من النقد الصريح والرفض من جانبهم لأفكار الكبار وأسلوبهم فى الحياة.
ثانياً : احتياجات الشباب
غالباً ما تتركز اهتمامات الشباب فى الاهتمامات الآتية :
1- المشكلات الشخصية.
2- التعليم والعمل وتحقيق الاستقلال المادى عن الأسرة.
3- الاعداد للزواج وتكوين أسرة.
4- اثبات الذات وتحقيق المكانة الاجتماعية المتميزة.
5- ايجاد فلسفة ومبادىء مستقرة للحياة.
6- المشاركة فى الحياة الاجتماعية العامة.
7- تنمية الشعور بالاحترام والتقدير المتبادل مع الآخرين.
وعلى أساس هذه الاحتياجات يجب أن تبنى برامج الشباب فى إطار خطط التنمية بحيث تسعى هذه البرامج لاشباع تلك الاحتياجات حتى تضمن أعلى مستوى للقبول والاستجابة من جانب الشباب للمشاركة الفعالة فى أنشطتها .
ثانياً: دور الجامعة في تفعيل المشاركة السياسية
– أن دور الجامعة فى تنمية قيم الديمقراطية ودعم سلوك المشاركة السياسية يجمع بين بعدين:-
الأول : بعد العمليات التثقيفية والإعلامية ، والذى يتطلب تركيز الجھد على ما يقدم للطلاب من معلومات , الأمر الذي يتطلب :
– الاھتمام بتنمية الوعى السياسى ونشر ثقافة الديمقراطية ، وتنمية وعى الطلاب بالقضايا الكلية للوطن .
– إعداد مساحة ملائمة فى برامج النشاط الثقافى بالجامعة لفھم واستيعاب مفردات الخطاب السياسي الرسمي .
– اھتمام الإدارة الجامعية وإدارة رعاية الشباب بصيغ جديدة للخطاب مع الطلاب فى مناقشة قضايا المجتمع ومشكلاته.
والثانى : بعد عمليات المشاركة والتدريب , والذى يعني بتركيز الجهد علي قياسات الأثر المتبقي من عمليات التعلم والسلوك الديمقراطي , مهارات السلوك السياسي , دبلوماسية العلاقات وإدارة الأزمات ,….) الأمر الذى يتطلب :
– الاھتمام بالأنشطة الطلابية وتدريب الطلاب على مھارات الخدمة التطوعية .
– التأكيد على قيم الديمقراطية ومھارات السلوك الديمقراطي فى قضايا الحوار وإنجاز المھام الجماعية .
– زيادة الاھتمام بتدريب الطلاب على مسئوليات المواطنة العراقية ودلالات السلوك المرتبطة بھا .
– تدريب الطلاب على مھارات العمل السياسي فى إدارة المواقف واتخاذ القرار .
– تدريب الطلاب على مھارات الخدمة التطوعية فى مجالات العمل الوطني .
– إن تنظيم معسكرات طلاب الجامعة تعد بمثابة مناخ ملائم للعمل مع الطلاب , وجذبھم إلى الحوار الجاد حول قضايا الوطن وحفز إرادتھم للخدمة التطوعية ، وذلك لاعتبارات ھامة منھا :
– توافر صفة الجماعية بما يعنى توحد رادة العمل المشترك ، مع القناعة بالقيمة النھائية للعمل .
– توافر القناعات الفكرية للعمل التعاونى المشترك ، بما يعنى حفز الإرادة الفردية للعمل فى تكامل مع المجموع .
– وھذه الخصوصيات المميزة لمعسكرات النشاط الطلابي تعد بمثابة فرصة ملائمة لإعداد الطلاب وتهيئتهم للعمل القومي , ومن ثم يمكن استثمار هذا المناخ في إعداد الشباب الجامعي لمعني المواطنة العراقية ومسئولياتها , وتنمية وعيهم بقيم الديمقراطية ودلالات السلوك المرتبطة بها .