مقالة بعنوان: تطبيقات المنهج الخفي في البيئة التعليمية العراقية بقلم/ م.د. هاجر عبد الدايم مهدي قسم التاريخ – كلية التربية الأساسية
مقالة بعنوان: تطبيقات المنهج الخفي في البيئة التعليمية العراقية
بقلم/ م.د. هاجر عبد الدايم مهدي
قسم التاريخ – كلية التربية الأساسية
يتلقى المتعلمون العديد من هذه الرسائل الإيجابية والسلبية الصامتة، سواء في المنزل أو في بيئة مدرسية أو في المجتمع ككل، لذلك يتم نسج أفكارهم وتبني مواقفهم وتشكيل سلوكياتهم. فالطفل في البيت لا يحتاج إلى سماع الكلام الإنشائي الجميل والمنمق من أبويه لإدراك المفاهيم الأخلاقية كالصدق مثلاً، بقدر ما يريد للصدق أن يكون ماثلاً أمام عينيه، فعندما يعد الأب ابنه بشراء لعبة له ومن ثم يتنصل، يستنتج الطفل بالمشاهدة وبالممارسة العملية لسلوك أبيه مفهوم الكذب وعدم الوفاء بالعهد، وهو المفهوم المضاد للقيمة الأخلاقية التي يُراد له أن يكتسبها ويتعلمها.
ويعد المنهج الخفي من الرسائل التربوية الصامتة التي تصاحب مشروع التربية على حقوق الإنسان، وأول من استخدم مصطلح المنهج الخفي في الفضاء التعليمي هو فيليب جاكسون في كتابه الحياة في الصفوف المدرسية (Life in the Classroom)، عندما أشار إلى أن الأطفال يتعلمون أشياء كثيرة لا صلة لها على الإطلاق بالمنهج المدرسي الرسمي. وتساءل: لماذا يقوم المتعلم بالغش في الامتحان ويكذب، على رغم أن المناهج المدرسية تركز على أهمية التربية الأخلاقية؟ فلم يغب عن فكره التأكيد على دور المنهج الخفي، في ظهور بعض الأفعال والممارسات المتناقضة أصلاً مع الدور الرسمي الصريح والمعلن للمؤسسات التعليمية في الحقل التربوي.
أن المنهج الخفي أكثر أهمية وربما خطورة من المنهج الصريح الرسمي والمعلن؛ لأن المنهج الخفي ما هو إلا فعالية تربوية صامتة غير منظورة، وعلى المعلم أن يرصدها فيما بين السطور وما خلفها، وفي الزوايا المظلمة للحياة التربوية.
والفرق بين المنهج الصريح والمنهج الخفي يتمثل في أنَّ الأول يتم الإعداد والتخطيط له مسبقاً من قبل المعنيين بوزاراتي التربية والتعليم، بينما يرتكز الآخر على طبيعة المواقف التربوية والتعليمية اليومية والعفوية في المدرسة وما يرافقها من سؤال مفاجئ قد يوجهه المتعلم إلى المعلم في أية لحظة، وعلى المعلم صاحب الخبرة الإجابة عنه بكل شجاعة ومسئولية.
في استبانة الكترونية وزعتها الباحثة الى مجموعة من الطلبة في العراق، طلبت منهم أن يجيبوا عن السؤال الآتي: ما الشيء الذي تعلمته في المدرسة خارج المنهج المدرسي؟ وصلت إليها مجموعة من الإجابات، ونكتفي منها فقط بما يتماشى مع مشروع التربية على حقوق الإنسان، مثل: تعلمت مع الآخرين في جماعة في فضاء محدد، وكيف أحتمل أحكام الآخرين، وأن أتجنب العنف وأدافع عن نفسي، وألا أفقد الكرامة والمكانة، وأن أتخذ موقفاً وأدافع عن النفس، وكيف أخدع وأغش وأحتال، والتزم الخضوع والامتثال للنظام، والعمل بانتظام، وإدراك التراتب الاجتماعي، وأن أكون مستقلاً، وما إلى ذلك..
لو استعرضنا هذه القائمة أمام المعلمين لدهشوا تماماً، من الأشياء التي ساهموا في تعليمها دون أن يعلموا ذلك في حقيقة الأمر، وعندما يسأل المعلمون سيقولون بالتأكيد هذا محز ومخيب للآمال، ولكنه صحيح إلى حد كبير، فالمعلمون لا يعرفون كل ما يتعلمه الطلبة في المدرسة، ولكن كثيراً منهم يدرك بصورة عامة وغامضة أحياناً أهمية الخبرات التربوية للمتعلمين في داخل الصف ودورها في إكسابهم بعض المهارات وأنماط السلوك.
فالمنهج الخفي وفقاً لهذه الصورة ليس خفيّاً بالمعنى الدقيق للكلمة، لكنه غير معلن وغير مقروء وغير مفكر فيه، وهذا الخفي يتكشف بالبداهة والخبرة والذكاء والتحليل، فهناك أمور تربوية كثيرة تحدث في دائرة الصمت وفي الفراغ والخفاء. وما نريده للمؤسسات التعليمية المعنية بالتربية أن تتبنى منهجين متداخلين ومتكاملين في آن واحد، أي "المنهج الصريح والمنهج الخفي"، فمن جهة «المنهج الخفي» يكتسب المتعلم مفاهيم التسامح وحقوق الإنسان ويتعلمها عن طريق الممارسة اليومية في الفضاء المدرسي، كما يكتسب قيم المواطنة والعدالة وحب البيئة المحيطة والمحافظة عليها، والانضباط وسيادة القانون وكيفية الانخراط في الحياة الاجتماعية وغير ذلك، ومن جهة أخرى يعينه المنهج الصريح في التعرف على المعارف والمعلومات والمفاهيم من مصادرها العلمية الصحيحة، وأهم ما يجب أن نلتفت إليه هو تأثير المنهج الخفي في ممارسات المعلمين والمتعلمين بعض السلوكيات اليومية في الفضاء المدرسي التي قد تلتقي أو تتعارض الخطة الاستراتيجية التي وضعتها وزارة التربية والخاصة بتضمين مبادئ احترام البيئة والحفاظ عليها وتنميتها في المناهج التعليمية والتي انبثقت أساساً من المواثيق الدولية المعنية باحترام الانسان للطبيعة.